في قاعة معاشيق الرسمية التي شهدت عبر العقود مفاصل حاسمة في مسيرة اليمن، التقى الرئيس الدكتور رشاد محمد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي، برئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي محسن يحيى طالب ووفدٍ رفيع من أعضاء المجلس، في لقاءٍ حمل بين سطوره إعلاناً صريحاً عن إعادة ترتيب الأولويات الوطنية لمواجهة أزماتٍ تتداخل فيها الملفات الأمنية والاقتصادية والإنسانية.
القضاء.. "الركيزة المُقدَّسة" في بناء الدولة
أمام حضورٍ ضم وزير العدل والنائب العام، وجّه العليمي رسالةً واضحةً إلى الداخل والخارج: "القضاء لن يكون فقط حامياً للحقوق، بل سيكون السياج المتين الذي يحمي السلم الاجتماعي ويُحقق النصر بعون الله".
ففي ظل تصاعد التحديات، بدا الرئيس مُصراً على تحويل السلطة القضائية إلى رمزٍ للصمود الوطني، حيث أشاد بـ"الإنجازات العظيمة" التي حققتها المؤسسة، مُذكّراً بأن استقلالها ركيزة دستورية لا تُساوم.
لم يكن اللقاء تقليدياً، فقد تحوّل إلى منصةٍ لرسم خريطة طريق للمرحلة المقبلة.
الرئيس العليمي، الذي أظهر حرصاً ملحوظاً على استخدام لغةٍ تجمع بين الاحترام المؤسسي وروح الوطنية، شدد على أن "البناء الراهن يتطلب جهداً مضاعفاً".
داعياً القضاة إلى تحمّل "المهمة الوطنية الجسيمة" في تعزيز هيبة الدولة وتمكين المواطنين من حقوقهم.
حربٌ على "الظل".. مواجهة الانتهاكات الحوثية
وسط الحديث عن الإصلاحات، لم يُغفل الرئيس الخطر المحدق من "خلايا المليشيات الحوثية الإرهابية المدعومة من إيران"، التي تُحاول، بحسب وصفه، "«زعزعة استقلال القضاء".
وكشف العليمي عن نية الحكومة لتطوير التشريعات لمواكبة "الانتهاكات غير المسبوقة"، مُشيراً إلى أن القضاء سيكون في الصف الأمامي لمواجهة ما وصفه بـ"العدوان على النظام القانوني للدولة".
150 حكماً جزائياً بعد توقفٍ دام عقدًا
في لفتةٍ لافتة، كشفت المباحثات عن تفاصيل ملموسة: توقيع الرئيس على أكثر من 150 حكماً جزائياً باتاً في قضايا جنائية جسيمة، بعد توقفٍ استمر نحو عشر سنوات. الخطوة، التي قد تُقرأ على أنها "رسالة ردع"، تُظهر حرص السلطات على استعادة الثقة في آليات العدالة، خاصةً في ظل التهميش الذي عانى منه هذا القطاع طوال سنوات الحرب.
القضاة: بين "العطاء" والمعاناة
لم تخلُ الجلسة من لحظات إنسانية، حيث أعرب العليمي عن "تفهمه لحجم المعاناة" التي يعيشها منتسبي السلطة القضائية، مُؤكداً ثقته بـ"قدرة رجال القضاء على التغلب على الصعاب".
هنا، تحوّل الحديث إلى دعوةٍ لدعم المؤسسة، حيث تعهد الرئيس بتأمين "المتطلبات اللازمة" لتطوير المنظومة، من البنية التحتية إلى الرواتب، في خطوةٍ قد تُفسر كمحاولةٍ لتعزيز الولاء المؤسسي.
التحديات: من البناء المؤسسي إلى مكافحة الفساد
على مدار ساعات الاجتماع، تناول الجانبان ملفاتٍ شائكة، من بينها التنسيق مع القوات المسلحة والأجهزة الأمنية لـ"الذود عن المركز القانوني للدولة"، وإطلاق سراح الأبرياء، ومكافحة الفساد.
وفيما أشاد فخامة الرئيس بـ"النجاحات المحققة"، حذّر من أن "المخاطر الأمنية تتطلب عملاً متواصلاً"، مشدداً على ضرورة أن يكون القضاء "مرآةً للعدل" في ظل الانقسامات التي تمزق البلاد.
القضاء..السياج المتين لليمن
مع انتهاء اللقاء، بدا واضحاً أن اليمن تسعى لتحويل قضائها إلى "السياج المتين" الذي يحمي وحدتها، في مواجهة القوى التي تُحاول، بحسب تعبير الرئيس، "تمزيق النسيج الاجتماعي".
رسائل العليمي، التي تراوحت بين التقدير والتحدي، تُشير إلى أن المعركة الحقيقية ليست فقط على الأرض، بل في قاعات المحاكم التي تُعيد رسم هوية الدولة.