
من حين لآخر يتمكن العلماء من اكتشاف طرق غير مباشرة لفهم تاريخ هذا الكون الضارب في القدم حتى 13.8 مليار سنة مضت، هذه الطرق هي ما يسمّى في المجمل بـ"العلم"، لكن فريقا بحثيا بقيادة بول أولسن من جامعة كولومبيا أخذ تلك الفكرة لمنحى جديد.
- الأرض الراقصة بين الكواكب
في الدراسة الجديدة، يشير الفريق البحثي إلى أنه يمكن رصد تاريخ المجموعة الشمسية بالكامل عبر فحص تاريخ الصخور على الأرض، وذلك لأن أثر الكواكب الأخرى الجاذبي على الأرض كان قادرا دائما على تغيير المناخ الأرضي.
لفهم الفكرة يمكن أن نبدأ من الأرض، فهي تدور حول الشمس مرة كل حوالي 365 يوما، في أثناء ذلك لا تتأثر الأرض فقط بقوى الجاذبية الخاصة بالشمس، ولكن أيضا بالكواكب المجاورة، خاصة الضخمة منها كالمشتري وزحل.
بسبب تلك القوى الجاذبة، يحدث كل عشرات الآلاف أو مئات الآلاف من الأعوام أن يتغير ميل الأرض على محورها، الذي نعرف أنه الآن حوالي 23.4 درجة، وتغير هذا الميل يغير بشكل حاد من مناخ الأرض، ويكفي أن نعرف أن منطقة الصحراء الكبرى في الوطن العربي كانت يوما ما جنة خضراء لولا تلك التغيرات.
- المناخ طريقة لفهم الكون
بسبب تلك التغيرات المناخية فإن الصخور الموجودة في هذه العصور تتغير طبيعتها أيضا، وهو أمر، بحسب الدراسة الجديدة، يمكن رصده بدقة حيث في أثناء ذلك تتغير قيم المعايير المناخية الأساسية كدرجات الحرارة والرطوبة وتساقط الأمطار وطبيعة التربة.
وبطبيعة الأمر سينطبع أثر هذا التغير المناخي، طوال عشرات إلى مئات وقد يكون إلى آلاف السنين، على الصخور الرسوبية التي وجدت في أثناء تلك الفترة.
على سبيل المثال، وقبل أعوام، حدد أولسن وزملاؤه دورة مدتها 405 آلاف عام تتغير فيها طبيعة الأرض، عبر مقارنة التغيرات الدورية في الرواسب القديمة من ولايات أريزونا ونيوجيرسي، ونشرت الدراسة التي قدمت تلك النتائج في دورية نيتشر واسعة الشهرة.
أما في الدراسة الجديدة، التي صدرت فقط قبل أيام بالدورية الشهيرة "بي أن أي أس PNAS"، فقد استخدم أولسن وفريقه النتائج التي توصلوا إليها سابقا من أجل تطوير تلك المنظومة لتتمكن من تفسير تاريخ الأرض إلى فترة تمتد حتى 200 مليون سنة.
وتسمى تلك الأنواع من التغيرات المناخية المبنية على وضع الأرض في الفضاء "دورات ميلانكوفيتش"، لكن الأبحاث السابقة في هذا المجال تحد قدرة العلماء على دراسة هذه الدورات في نطاق 60 مليون سنة فقط.
- سبر أغوار التاريخ
وبالتالي، حسب الدراسة الجديدة، فإن هذه القفزة الجديدة تفتح الباب لدراسة أكثر عمقا لتاريخ المجموعة الشمسية وصولا إلى اللحظة التي نشأت بها قبل 4.5 مليارات سنة، فقط عبر فحص الصخور على الأرض.
ويمكن لتطوير تلك المنظومة الجديدة، بحسب الدراسة، أن يعطي العلماء فكرة عن أوضاع سابقة استثنائية كانت الأرض قد مرت بها، وعلى سبيل المثال اكتشف فريق أولسن دورة جديدة تحدث مرة كل 1.75 مليون سنة، لكنها الآن تحدث مرة كل 2.4 مليون سنة بسبب الرقصات الجاذبة بين الأرض والمريخ.
وبحسب الدراسة الجديدة، يمكن ذلك العلماء من فهم تأثير كوكب المشتري على الكواكب الداخلية كالأرض والمريخ والزهرة وعطارد، كما سيساعد ذلك العلماء في فهم مقدار الطبيعة الكارثية للمجموعة الشمسية في بداياتها ويجيب عن أسئلة حول اصطدام الأرض بكواكب أخرى أو قفزات الكواكب اقترابا أو ابتعادا عن الشمس في مرحلة ما.
- آمال عريضة
ويأمل أولسن وفريق عمله أن يطور ذلك من قدراتنا على توقع المستقبل، حيث تدخل الأرض حاليا في فترة من تاريخها ترتفع نسب ثاني أكسيد الكربون إلى قيم كارثية لم تشهدها الأرض على مدى مئتي مليون سنة، وقت أن سادت الديناصورات على سطح الأرض.
من جهة أخرى فإن الدراسة تعطي الباحثين فرصة أفضل لتوقع مناخ المريخ مستقبلا، ما قد يساهم في دعم خطط مستقبلية لاستيطانه يوما ما.
لكن اللافت للنظر، في تلك الدراسة الجديدة، هو الكيفية التي يتمكن بها العلماء من جمع معارفهم، فقط عبر التأمل في طبيعة الصخور على الأرض لكشف خفايا الكون في الأعلى.

- المقالات
- حوارات