"بين الهضاب الخضر تاهت بي الظنون.. لي خاطر يهوى المحاسن والفتون، ما بين تنومة والظهارة والنماص.. زادت هواجيسي وزادت بي الظنون".. هكذا تغنى الشعراء بـ "النماص"، معبرين عن جمال هضابها، وروعة وديانها، وعذوبة شلالاتها، وخضرة الطبيعة فيها.
ومع رياح النسيم، تغازلك السحب وهي تلامس قمم جبالها، في مشهد يأسر النفس ويبعث فيها الهدوء، وعند قطرات المطر، تميل أراضيها للبياض إثر هطول الثلوج عليها، لتحكي قصة جمال جديدة.
"النماص".. محافظة سعودية تقع في منطقة عسير على سلسلة جبال السروات، تمتاز بالطبيعة وبكثافة الغطاء النباتي، واعتدال المناخ صيفاً، وتكثر بها شلالات المياه والوديان والجبال الشاهقة التي تتمازج مع حالة الاخضرار الدائمة لجمال غاباتها، مما ينتج عنها صورة جمالية من بديع صنع الخالق، وتنتشر ظاهرة الضباب الكثيف الملامس لسطح الأرض في المنطقة، وتستمر أحياناً بضعة أشهر، خصوصاً فترات الشتاء والربيع، حيث لا تتجاوز الرؤية الأفقية بضعة أمتار.
أما في فصل الصيف، فيضفي الضباب الذي يعانق قمم الجبال لمسة من الجمال الساحر على طبيعة المنطقة، ما يجذب كثيرا من السياح للاستمتاع بهذه المناظر الخلابة.
المدينة الأكثر جمالاً وبرودة في المنطقة الجنوبية، ويطلق عليها السعوديون "مدينة الضباب"، وهي مدينة معروفة بتاريخها العريق في هجرات القبائل العربية القحطانية اليمنية القديمة إلى مناطق الجزيرة العربية المختلفة. وقد بنيت على أنقاض مدينة الجهوة العظيمة، التي ورد ذكرها في أكثر من مصدر تاريخي، وتعتبر هذه المدينة المركز الرئيسي لقبائل رجال الحجر قديماً وحديثاً، ومعروفة بمناخها المعتدل صيفاً والبارد شتاء، وهي من أجمل المناطق السياحية بالمملكة، لوقوعها على قمم جبال السروات ووجود الغابات ذات الغطاء النباتي الكثيف والمتوسط، إضافة إلى وجود الأعشاب والنباتات العلاجية وإطلالها على منحدرات جبال السروات، وسهول وأودية تهامة، كما يوجد بها الآثار الجاهلية والإسلامية والمخطوطات المنقوشة على الصخور والقصور الأثرية، ذات الطوابق المتعددة.
هذه المدينة عرفت بتاريخ نضالي ضد الأتراك ما قبل الحرب العالمية الأولى، وقدم أبناؤها العديد من الشهداء لطرد العثمانيين من إقليم النماص، على أنهم قد قدموا للدولة العثمانية الكثير من الإنجازات الحربية ضد الاستعمار البريطاني آنذاك، ويوجد الكثير من الكتب التاريخية التي تتحدث عن الصراع العثماني والبريطاني، وكيف أن العرب كانوا يناصرون العثمانيين، وهناك من يناصر البريطانيين وهي من أقدم مدن المملكة، وسُكنت تقريبا قبل 2300 عام، وبعد انهداد سد مأرب، جاء إليها أهلها الأوائل من اليمن.
وهي بلد الأئمة والشعراء، ومن مشاهير الجاهلية المنتسبين فعلاً لقبائل الحجر قديماً، الشاعر الجاهلي الشنفرى الحجري صاحب "لامية العرب"، وقد عرفت هذه المنطقة بجمال طبيعتها وآثارها الضاربة في عمق الحضارات والمتنزهات، تتدفق منها المياه الجارية، وبها أشجار العرعر والطلح، ومنها "متنزه العطف، شط رافي، الوغل، المضباع، شط الخبار، ماء لسله، الموبل، غدير مضحي، عيمة مخرز، جبل حرفة، الاشعاف، المطلى، البارقة".
تحدث لـ"العربية.نت" رئيس اللجنة الإعلامية بالتنمية السياحية بالنماص وعضو المجلس البلدي عوض ظافر آل الشيخ، قائلاً "إن السر في إقبال السياح على النماص هو اعتدال مناخها في فصل الصيف، حيث تكون درجة حرارتها 15-25 درجة مئوية، كما أنها غنية بالمناظر الطبيعية الخلابة، وبهدوئها الساحر، وهي مجال خصب للسياحة الثقافية والعلمية، وللراغبين في الاستطلاع والتعرف على آثار المنطقة ودراستها، والتعرف على الثقافة العامة والتراث الاجتماعي، إضافة إلى توفر الغابات الطبيعية الكثيفة بالمنطقة ذات القيمة الجمالية".
وبين آل الشيخ أن المنطقة شهدت حركة سياحية نشطة خلال السنوات الماضية، من مختلف أنحاء المملكة وبعض دول الخليج، لزيارة متنزه شفا النماص آل وليد، ومتنزه جبل ناصر، وعقبة تلاع، وشفا بني عمرو، وجبل حرفة، وجبل مرير وهو جبل ضخم مرتفع، يقع شمال محافظة النماص، وهو أعلى جبالها، ويبلغ ارتفاعه ألفين وسبع مئة متر عن سطح البحر، حيث يمتاز بالغابات المتصلة والكثيفة. وقد تم إنشاء الطرق إليه، وهناك شعف الكلاثمة، وقصر المقر التراثي السياحي، والذي يحتوي على عدد من المخطوطات والقطع الأثرية النادرة، ويضم حديقة حيوان مصغرة تحتوي على عدد من الحيوانات شبه المنقرضة والنادرة، والتي كانت تقطن النماص.
- المقالات
- حوارات