سار قطاع العقارات عكس تيار الأزمات الاقتصادية في اليمن حيث بات القطاع يستقطب أموال المواطنين ممن يبحثون عن أصول آمنة لاستثمار أموالهم، ما يخفف جراح الحرب في بلد يعيش على المساعدات الدولية ويعاني ويلات النزاعات، غير أن تواجد جماعة الحوثي يعرقل تنمية القطاع نظرا لأنه بات وسيلتهم لغسل الأموال المتضخمة في أرصدتهم.
وبات ملحوظا في البلد الذي يعيش معظم سكانه على المساعدات وبشكل مستغرب ولافت، إقبال الكثيرين على شراء الأراضي والعقارات، خصوصا في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، كالعاصمة صنعاء.
وخلال هذه السنوات المريرة التي يتجرعها معظم اليمنيين، ثمة من بات يعيش في رغد العيش في ظل أموال هائلة وعقارات واسعة، في واقع يضع العديد من علامات الاستفهام حول الوضع اليمني الشائك والمعقد في مختلف النواحي.
ويرى الكثير من اليمنيين أن شراء العقارات والأراضي التي تعد من الأصول الآمنة قد يحقق أيضا أرباحا سريعة خلال فترة قصيرة، بعكس بعض وسائل التجارة الأخرى التي لا تحقق المراد المالي.
وفي ظل انخفاض سعر العملة ووصول صرف الدولار الواحد إلى أكثر من 600 ريال في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وقرابة 800 ريال في المحافظات الواقعة تحت سلطة الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا، بات سعر الأراضي والعقارات يشهد ارتفاعا ملحوظا، يفوق في بعض الأوقات مسألة انهيار العملة.
وقال تقرير صادر عن مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي (يمني غير حكومي) إن سوق العقارات في البلاد شهدت ازدهارا استثنائيا، وأنها في اتجاه معاكس لوضع الاقتصاد الكلي المتدهور.
وقدر التقرير حجم تداول القطاع العقاري في اليمن بنحو 2 مليار دولار، مشيرا إلى أن ذلك يعد رقما كبيرا مقارنة بحجم النشاط الاقتصادي المتردي.
وأرجع ازدهار قطاع العقارات إلى عودة الآلاف من المغتربين اليمنيين من السعودية، وقيام أمراء الحرب بتبييض أموالهم، بالإضافة إلى حالة النزوح الداخلي.
ونسبت وكالة الأنباء الألمانية للمواطن عبدالرحيم منصر قوله إن “هناك زيادة ملحوظة في تجارة الأراضي باليمن، رغم ظروف الحرب المستمرة للعام السادس”.
وأضاف أن “الحرب شردت العديد من المواطنين الذين باتوا نازحين في أماكن أخرى بعيدة عن موطنهم الأصلي في البلاد، ما جعل الكثير منهم، خصوصا من لديهم سيولة نقدية يقررون شراء الأراضي ومن ثم بناء منازل سكنية لهم كمأوى من التشرد جراء الصراع”.
وتابع “بات ملحوظا قيام العديد من النازحين، بينهم تجار وأصحاب رؤوس أموال وبعضهم مواطنون، ببيع ما يملكون من أجل الحصول على مسكن يقيهم نار التشرد”.
ولفت إلى أن تجارة الأراضي في اليمن أصبحت في ظل الحرب من أكثر الأشياء ربحا ما جعل البعض يقررون حتى اقتراض أموال من البنوك أو بيع ذهب زوجاتهم من أجل شراء الأراضي ومن ثم الربح المادي السريع.
وبين أنه “أصبح لافتا في الفترة الأخيرة أنه حتى النساء يقمن بشراء قطع أراض من أجل تحقيق الربح المادي السريع، وحتى مهور الزواج يتم استغلالها من قبل بعض النساء في شراء الأراضي”.
ولكن ظروف النزاعات التي تسيطر على المناخ اليمني استغلت فورة القطاع لإشعال هذه السوق المربحة.
وفي هذا السياق، يشير الكثير من المتابعين للشأن اليمني إلى أن الصراع خلق ما يتم وصفه بـ”تجار حروب” استفادوا من ضياع الدولة، ما جعل الكثيرين خصوصا المنتمين إلى جماعة الحوثي يلجؤون إلى غسل أموالهم في شراء الأراضي بعد تضخم الأرصدة المالية لديهم من موارد البلد الفقير.
يقول عبدالواحد العوبلي، وهو محلل اقتصادي يمني، إن “موارد الدولة أصبحت تحت سيطرة قيادات في جماعة الحوثي، مشيرا إلى أن الموارد الكبيرة تصل إليهم وأصبح لديهم كمية هائلة من السيولة النقدية”.
وأضاف “بعض هذه السيولة النقدية يقومون بتحويلها إلى دولارات، ومن ثم نقلها إلى خارج اليمن، ما تسبب أيضا في استمرار تدهور سعر صرف العملة المحلية”.
وأوضح العوبلي أن “السيولة النقدية التي لم يستطع الحوثيون إخراجها من اليمن، يضطرون إلى غسلها بشراء أراض وعقارات في صنعاء ومحافظة إب والمناطق اليمنية الرئيسية، ويحاولون الاستيلاء على قدر كبير من المساحة”.
وشدد على أنه “يجب رصد هذه العقارات من أجل استعادتها من قبل الشعب بمجرد القضاء على الانقلاب الحوثي”.
ولفت إلى أن تراجع صرف العملة المحلية من بين الأسباب الرئيسية لارتفاع أسعار الأراضي في اليمن.
ومضى قائلا “قيادات الحوثيين التي حصلت على مليارات الريالات من موارد الدولة أصبحت تستخدم تجارة وشراء العقارات كوسيلة لغسل الأموال، ما أدى إلى زيادة الطلب على العقارات”.
وتحدث بأن هذه الأموال يتم الحصول عليها أيضا عن طريق نهب أموال الناس والتجار عبر جبايات وابتزاز، بخلاف أموال المساعدات الإنسانية التي يستولي عليها الحوثيون، ما أدى إلى تكدس كميات كبيرة من الأموال لديهم.
وفيما كان انهيار العملة المحلية من بين الأسباب الرئيسية لارتفاع الأسعار، ومن بينها أسعار العقارات، إلا أن هناك من يشير إلى أن الارتفاع المهول لأسعار الأراضي والعقارات لا علاقة له بسعر العملة، فهناك بعض الأراضي يتم بيعها بقرابة 10 أضعاف السعر الرسمي قبل الحرب.
ويقول عبدالله البعداني وهو يعمل وسيطا بين البائعين والراغبين في شراء الأراضي بمحافظة إب الواقعة تحت سيطرة الحوثيين وسط اليمن، إن هناك ارتفاعا لأسعار العقارات في المحافظة بشكل خيالي وغير متوقع.
وأضاف “خلال سنوات الحرب ازدهرت تجارة الأراضي بمدينة إب بشكل لا يصدق، ووصل سعر بعض المساحات إلى عشرة أضعاف سعرها قبل اندلاع الصراع في العام 2015”.
وأوضح أن بعض قطع الأراضي الصغيرة التي مساحتها عشرات الأمتار فقط، يصل سعرها إلى أكثر من 250 مليون ريال يمني (قرابة 400 ألف دولار).
ولفت إلى أن هناك تدفقا للسيولة من قبل البعض لشراء الأراضي، ما يثير علامات الاستغراب حول كيفية تواجد هذه السيولة الكبيرة في ظل معاناة معظم السكان من ظروف مادية ومعيشية صعبة.
واختتم “صحيح هناك تدهور كبير للعملة المحلية، لكن ما نراه من أسعار خيالية لبعض العقارات يؤكد أن الأمر لا علاقة له بتدهور الريال اليمني، فهناك أسعار خيالية لبعض المساحات، وهناك شراء وبيع يشبه الجنون”.
- المقالات
- حوارات