رغم ظروف الحرب المشتعلة في اليمن وارتفاع نسبة البطالة والفقر إلى مستوى عال وغير مسبوق، نجح بعض الشباب في صنع نماذج كفاح فريدة، في وطن يعيش أسوأ أزمة إنسانية بالعالم.
لبيب العريقي هو أحد هؤلاء الشباب الذين أثبتوا أن لا مستحيل في الحياة، طالما هناك هدف مهم وقيمي يسعى الإنسان لتحقيقه.
ومع ارتفاع نسبة البطالة باليمن في صفوف الشباب إلى أكثر من 60 في المئة، كما تشير تقديرات اقتصادية، لم يقف الشاب لبيب مستسلما أمام هذا الواقع البائس الذي يعترض هذه الشريحة الحيوية من اليمنيين.
حاليا يملك لبيب مع شقيقه سامي مصنعا لإنتاج الملابس القطنية في صنعاء المكتظة بالسكان، تمت تسميته “معمل زهرة قطن اليمن”.
وعلى الرغم من أن فايروس كورونا الذي بدأ في الانتشار باليمن مطلع أبريل الماضي، يعد مصدر ألم وبؤس لدى الكثير من اليمنيين، لم يستسلم لبيب وسامي للواقع، بل جعلا من هذه الجائحة مصدر إلهام لخدمة الناس وتحقيق نجاح شخصي.
يقول لبيب “بعد انتشار كورونا في اليمن، كنا ننتج كمامات وبدلات وقاية من الفايروس، ونقوم ببيعها لوزارة الصحة العامة والسكان في صنعاء، واستغللنا الفرصة حينها لإنتاج ملابس قطنية”.
والشاب لبيب هو من أبناء محافظة تعز، أكبر المحافظات اليمنية سكانا، جنوب غربي البلاد، تخرج في كلية المحاسبة، وعمل أيضا مالكا لشركة للدعاية والإعلان في صنعاء.
وتم استلهام فكرة المشروع من آثار جائحة كورونا، حيث توقفت الأعمال وارتفع مؤشر البطالة، ما جعل لبيب وشقيقه يتوجهان للعمل في صناعة الكمامات، “فقد كان الطلب عليها كبيرا جدا، وكذلك بدلات الوقاية من كورونا لمراكز العزل”.
ويقول لبيب “خلال هذه الفترة شهدنا ضغطا على معامل الخياطة الخاصة بإنتاج الكمامات وأدوات الوقاية، ومن خلال صديق أخبرنا بوجود معمل مغلق في مؤسسة اليتيم، قمنا باستئجاره وإعادة إحيائه لإتمام صفقة البدلات الوقائية، وتم تسليم البدلات لوزارة الصحة”.
وتابع “استمررنا في العمل لفترة، وبعدها بدأنا بالتفكير بإنتاج ملابس خاصة بالمواليد والأطفال، وتوفقنا بشراء قماش قطن، ثم بدأنا الإنتاج”.
وأردف لبيب “كان الوضع صعبا جدا، فقد واجهنا الكثير من العوائق، لكن بفضل الله وإصرار العاملين معنا تجاوزنا كل العقبات”.
وحول تفاصيل ما يقوم بإنتاجه المصنع حاليا يشير لبيب “نصنع ملابس قطنية، منها ملابس أطفال مواليد وبيجامات إلى عمر 15 عاما”.
ويقوم لبيب بالترويج لمنتجاته عبر مواقع التواصل الاجتماعي في شبكة الإنترنت، إضافة إلى مسوقين وموزعين ميدانيين.
وفي ما يتصل بالخطط المستقبلية للمصنع يقول “هناك خطط مستقبلية لإنشاء فروع للمصنع في المحافظات وفي صنعاء أيضا خلال الفترة القليلة القادمة”.
وحول أدوات المصنع تحدث بأنه يحتوي حاليا على 55 آلة، وهي تعتبر إلى حد ما كافية.
مشروع الأخوين يعد من المشاريع الصغيرة اللافتة في اليمن، ويعرب هذا الشابان عن سعادتهما بهذا المصنع الذي كان أيضا سببا في توظيف العديد من الشباب.
ويقول سامي ”يصل عدد العاملين معنا تقريبا إلى 150 شخصا، بينهم 70 عاملا يعملون داخل المصنع، ويعمل البقية في وظائف التسويق والتوزيع في صنعاء وعدد من المحافظات. ونحن نعتبر هذا مشروعا خاصا بالشباب، نستفيد منه بصفة شخصية، وأيضا نعمل من خلاله على دعم الجانب الإنساني من حيث توزيع كميات لا بأس بها للأيتام”.
ويحكي الشاب سامي عن أبرز الصعوبات التي واجهتهما في مشروعهما قائلا “عملية الإنتاج تتعرض إلى بعض الصعوبات في هذه الفترة، مثل الكهرباء، وهي مشكلة كبيرة جدا، ولا نستطيع العمل بمولدات كهربائية، لأنها تحتاج إلى كميات كبيرة من الديزل وهو شبه معدوم حاليا”.
ويضيف شقيقه لبيب “هناك عوائق بالفعل، مثل عدم توفر القماش، ووجود ثقافة شراء المستورد الخارجي لدى المواطن اليمني، إضافة إلى ضعف القدرة الشرائية، وعدم ثقة المستهلك بأي منتج محلي”.
ومع هذه المصاعب، يرى الأخوان أنه لا يوجد خوف من فشل المشروع، فهو “ناجح 100 في المئة على الرغم من عدم وجود تجارب سابقة في صناعة الملابس القطنية”.
وحول طموحاتهما المستقبلية يقول لبيب “نطمح في توسيع المشروع ليكون مشروعا وطنيا كبيرا، وافتتاح مصانع لمنتجات مختلفة”.
وأردف “يكفينا فخرا أن منتجاتنا فيها عبارة ‘صنع في اليمن’، وهذا يعطينا دافعا كبيرا للاستمرار وتوسيع المشروع ورفد الاقتصاد الوطني بمثل هذه المشاريع، وكذا تشغيل الأيادي العاملة، إضافة إلى تدريب اليتيمات شهريا بعدد 5 فتيات للخياطة، حسب ما اتفقنا في وقت سابق مع مؤسسة اليتيم”.
وفي رسالته للشباب اليمني يقول لبيب “اليمن مازال يستطيع توفير أعمال في العديد من المجالات… بلادنا قادرة على فتح مشاريع وإنتاج منتجات بجودة عالية. يجب أن نفخر بأعمالنا وبالمنتجات اليمنية”.
أما سامي فقال “يجب أن نؤمن بأن اليمن مازال يستطيع أن يوفر فرصا في عدة مجالات للأيادي العاملة من خلال فتح مشاريع وإنتاج منتجات يمنية بجودة عالية، فاليمن بحاجة إلى مثل هذه المشاريع والتي تعتبر ناجحة بشكل كبير، نحتاج لأن ننهض ونعمل على القطن الخاص بنا والذي نقوم بتصديره إلى الخارج ولا نستفيد منه داخليا”.
- المقالات
- حوارات