إن التوصل إلى اتفاق سلام هو مجرد جزء واحد من عملية إرساء سلام مستدام. فلا تزال مشاكل الحكم التي أدت إلى هذه الحرب قائمة، وسيؤدي أي اتفاق سياسي مبرم كحل سريع إلى وجود حوثي دائم لا يتناسب مع شعبية الحوثيين ويستنثي الجهات الفاعلة المهمة.
في الوقت الحالي ليس لدى الأطراف الرئيسية المتحاربة في اليمن سبب وجيه للتوصل إلى اتفاق السلام، وفقا لإلينا ديلوجر* وآدم بارون**، من معهد واشنطن، في ورقة حديثة نشرها المعهد. علاوة على ذلك فإن عوامل كثيرة تلقي بظلال من الشك حول إمكانية التوصل إلى نتيجة عملية وحل كما يأمل المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن ورغبة الإرادة السياسية الأمريكية لإنهاء الحرب وتركيز ليندركينغ على الجهات الفاعلة في المنطقة.
يخوض المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن تيم ليندركينغ عمليةً تركّز بشكل كبير على الجوانب الإقليمية للصراع، لا سيما أدوار السعودية وإيران والاستخدام المحتمل لقوى الوساطة والتسهيل مثل الكويت وسلطنة عُمان. وبطبيعة الحال هناك أهمية بالغة للتوصل إلى تسوية سياسية مع الحوثيين، لكن أي اتفاق لا يمكن أن يستمر دون مشاركة محلية وجهود متضافرة لإعادة بناء البنية التحتية والمؤسسات وممارسات الحكم في اليمن.
يقول المؤلفان إنه، وعلى الرغم من ردود فعل الحوثيين -التي تعتبر فاترة في أحسن الأحوال- تجاه خطة ليندركينغ لوقف إطلاق النار والخطة السعودية المعلنة، واستمرار (ألهجوم) الحوثي في مأرب، ومغادرة مارتن غريفيث منصبه كمبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن -وجميعها عوامل تلقي بظلال من الشك حول إمكانية التوصل إلى حلٍّ سريع- يأمل المفاوضون أن الإرادة السياسية الأمريكية لإنهاء الحرب، وتركيز ليندركينغ الثاقب على الجهات الفاعلة في المنطقة، قد يساعدان في النهاية على إتاحة الفرصة الأولى للتوصل إلى اتفاق سياسي منذ عام 2016.
[في الواقع اتضح أن الأمور أسوأ من ذلك مع إقرار ليندركينغ نفسه بتراجع الحوثيين عن التزاماتهم وتصعيد هجومهم على مأرب بدعم من إيران، وفرض عقوبات جديدة ضد قياديين عسكريين حوثيين من قبل الولايات المتحدة]
مشكلة الإرادة السياسية
لم يأتِ التركيز على الشركاء في المنطقة دون سبب: فمن الصعب تصوّر نجاح أي تسوية من دون تأييد الجهات الفاعلة الرئيسية مثل السعودية والإمارات وعُمان. علاوة على ذلك، وبخلاف ما حدث في الماضي، تتفق الجهات الفاعلة الإقليمية حالياً في رغبتها بإيجاد حل دبلوماسي. وعلى نحو مماثل، تتوافق الإرادة السياسية للدول الغربية مع الدبلوماسية.
لقد بدأت حرب اليمن على شكل صراع بين اليمنيين، وعلى اليمنيين حشد الإرادة السياسية لإنهائها. وعندما يجري نقاش حول اليمنيين، غالباً ما يكون ذلك في سياق اكتساب النفوذ عليهم. وعلى وجه الخصوص، يتم تكريس موارد كبيرة للنقاش حول أي دولة لديها نفوذ على الحوثيين وما الذي يمكن أن يستحضر إرادتها السياسية لإنهاء الحرب. وفي حين أن الراعي الأقرب لأي جماعة في اليمن غالباً ما يكون طرف خارجي، إلا أن اليمنيين ليسوا دمىً. وفي الواقع، لا يزال معظم اليمنيين يعارضون التدخل الأجنبي بشكل كبير، على الأقل من حيث المبدأ، وذلك بهدف حماية استقلاليتهم. لهذا السبب، وبغض النظر عن النفوذ الخارجي المزعوم، فإن الضغط الدولي لإنهاء الحرب لا يمكن أن يستمر إلا إذا كانت الأطراف المعنية نفسها مستعدة لإنهائها.
وفي الوقت الحالي، ليس لدى الأطراف اليمنية سبب وجيه للتوصل إلى اتفاق. فالحوثيون يواصلون (هجومهم) نحو مأرب حيث تغريهم مواردها الغنية ويهدفون توجيه ضربة إلى معقل رئيسي للحكومة. ويشعر الحوثيون أن لديهم القليل من الحوافز النسبية للموافقة على وقف إطلاق النار. يريدون - ربما- تنازلات كبيرة، مثل رفع الحصار أو فتح ميناء الحديدة أو مطار صنعاء - وهي جميع الخيارات التي يَخشى أنها ستسمح للحوثيين بإعادة الإمدادات [لقواتهم]. وفي غضون ذلك، فإن الحكومة اليمنية غير محفزة للدخول في محادثات سلام مع الحوثيين المهيمنين في مأرب، خشية أن يُسفر اتفاق انتقالي يتم التوصل إليه الآن عن تقنين مكاسب الحوثيين على الأرض إلى مكاسب سياسية دائمة. وبالتالي، يجد التحالف نفسه في مأزق: الظروف غير مؤاتية، لكن موقفه التفاوضي قد يتدهور أكثر فأكثر مع استمرار الحرب.
الحل يجب أن يكون مستداماً
فضلاً عن ذلك، إن التوصل إلى اتفاق سلام هو مجرد جزء واحد من عملية إرساء سلام مستدام. فلا تزال مشاكل الحكم التي أدت إلى هذه الحرب قائمة، وسيؤدي أي اتفاق سياسي مبرم كحل سريع إلى وجود حوثي دائم لا يتناسب مع شعبية الحوثيين ويستنثي الجهات الفاعلة المهمة التي يمكن أن تكون عناصر إفساد وتخريب، الأمر الذي سيقود حتماً إلى نزاعات إضافية. وسيحتاج اليمن إلى المساعدة في إنهاء هذه الدوامة من خلال بناء دولة واقتصاد مستقرَيْن بدعمٍ وتأييد من كافة أطياف المجتمع.
وسيكون للاتفاق السياسي أساس أقوى إذا كان هناك بالفعل إطار عمل لإصلاح البنية التحتية ومؤسسات الدولة، واقتصاد مستقر، وتوافق على نماذج الحكم الرشيد التي يمكن أن تكون خيارات عمل لدولة يمنية مستقبلية (فيدرالية على الأرجح). وعلى الرغم من عدم تركيز معظم دول العالم على الجانب السعودي الإيراني من الحرب، إلا أن الصراع عجّل بتقسيم الدولة اليمنية المركزية، مما أظهر، للمفارقة، الدور البارز الذي يلعبه نظام الحكم الفيدرالي المخطط له والذي أدى الصراع إلى وضع عملية تنفيذه جانباً: فقبل الحرب، أقيم "مؤتمر للحوار الوطني" الذي كان مؤتمراً موسعاً وجامعاً توصّل إلى أن اليمن الفيدرالي هو مستقبل البلاد، حتى لو بقي النظام الفيدرالي الحالي للمناطق الستة مثيراً للجدل. ومع ذلك، سيكون من الصعب تقبّل نموذج تصاعدي من القاعدة إلى المستويات العليا يسعى إلى تهيئة الظروف المناسبة لتحقيق السلام المستدام، لأنه يتطلب من المجتمع الدولي تقّبل التعقيد اليمني والموافقة على المشاركة فيه لفترة طويلة - وهو احتمال لا تفضّله أي من الدول المنخرطة في اليمن.
ولكن حتى مع هذا الدعم، فإن اليمنيين أنفسهم هم الذين سيعملون في النهاية على إعادة إرساء السلام وإصلاح الأضرار التي سببتها الحرب. وهم يؤكدون باستمرار على وجود سبب يدعو للأمل رغم الفظائع التي جلبها الصراع. وفي هذا الإطار، يملك المجتمع الدولي موارد كبيرة لمساعدة أولئك الذين يعملون على تخفيف الآثار المدمرة للحرب، والتي ستساعد في النهاية في دعم أي اتفاق سياسي مستقبلي. وإذا تم توجيه الإرادة السياسية الدولية لإنهاء الحرب نحو تهيئة الظروف لسلام مستدام، فقد توفّر للأطراف المحلية المتحاربة حوافز لتحقيق السلام وبالتالي تدعم الجهود للتوصل إلى وقف إطلاق النار وتوافق سياسي والحفاظ عليهما.
*إلينا ديلوجر هي "زميلة روبن فاميلي" في معهد واشنطن وأستاذة مساعدة في "جامعة جورج تاون".
** آدم بارون هو كاتب ومحلل سياسي كان مقيماً في اليمن في الفترة 2011-2014.
- المقالات
- حوارات