الرئيسية - محافظات وأقاليم - "المال مقابل الحرية".. المختطفون مصدر ثراء القادة الحوثيين
"المال مقابل الحرية".. المختطفون مصدر ثراء القادة الحوثيين
الساعة 01:21 مساءاً (تحقيق..جوهرة عبدالله)

ينتهج المسلحون الحوثيون في اليمن سياسة جديدة للحصول على المال تتمثل في اختطاف المواطنين من منازلهم وفرض أموال على عائلاتهم من أجل الإفراج عنهم، تصل في بعض الحالات إلى أربعة ملايين ونصف المليون ريال يمني، أي نحو أكثر من 15 ألف دولار أميركي.


وبلغت حالات الاحتجاز خارج القانون، أكثر من (16.800) حالة، حسب رصد نشرته منظمة (هيومن رايتش راردر) في شهر أبريل/ نيسان الفائت منذ سيطرة الحوثيين والقوات الموالية للرئيس السابق "علي عبدالله صالح" على العاصمة اليمنية صنعاء أواخر سبتمبر/ أيلول 2014.


يرصد  هذا التحقيق، حالات عِدة لابتزاز ودفع أموال بملايين الريالات لمسئولين حوثيين يضعون أنفسهم كوسطاء لأهالي المختطفين من أجل الإفراج عن ذويهم، وما يلبث أن يختفي المسؤول الحوثي حتى يظهر آخر مقدماً نفس العرض، وعندما يُدفع له المال يختفي ويظهر آخر وهكذا، في حلقة مستمرة مُفرغة تهدف لابتزاز المواطنين اليمنيين.


تقول زوجة أحد المعتقلين ، فضّلت أن يرمز لاسم زوجها بالأحرف (م.م.هـ)، خشية انتقام الحوثيين منه ومنها، "تم اختطاف زوجي من أمام المنزل بالعاصمة صنعاء في 17يوليو/ تموز2015م واقتيد إلى قسم شرطة "الجديري" ومن ثمَّ تم إخفاؤه حتى "وصلتنا معلومات أنه مُعتقل في سجن الأمن السياسي (سجن سيء السمعة باليمن متعلق بالمخابرات)، وعند الانتقال لمعرفة أحواله طُلب منا مبلغ (مليون ريال)".


تضيف الزوجة: "لم نستطع دفع المبلغ بسبب حالتنا المادية الصعبة، وزوجي هو المعيل الأول لنا، ومنذ ذلك العرض الذي لم نستطع دفعه، مُنعت عنا زيارته نهائياً".


كانت الزوجة تأمل أن يكون زوجها ضمن ممن أحيلوا للمحاكمة مؤخراً وعددهم (36) شخصاً والمتهمين بتهم توصف بكونها سياسية نتيجة تعبيرهم عن آرائهم والتي تحولت إلى جرائم تنظيم عصابات لاغتيال واستهداف الحوثيين؛ إذ أن الزوجة كانت ترغب في الاطمئنان على صحة زوجها أو على الأقل معرفة الاتهامات الموجهة إليه.


 وعود كاذبة


زوجة مختطف آخر ترمز له (خ.ع) تحدثت أنها حتى الآن دفعت أكثر من مليون ريال (الدولار=300 ريال) لمسئولين حوثيين من أجل وعود "كاذبة" بالإفراج عن زوجها المختطف منذ 11 مارس/ آذار 2016م من منزلهم بصنعاء.


تصف الزوجة حادثة الاعتقال بـ"المروعة"، فقد "تم مداهمة المنزل وانتهكت حرمته وجرّوه إلى الدورية العسكرية رغم إبلاغهم أن حالته الصحية سيئة للغاية"، مضيفةً: "ضربني الحوثيون بأعقاب البنادق وأنا حامل في الشهر الثامن، وكسروا كل أثاث المنزل، ونهبوا أجهزة الكمبيوتر والهواتف".


تشير الزوجة إلى أنه وعند اللحاق بدورية الحوثيين أبلغوهم أنه "بلاغ خاطئ" ضد زوجها وسيفرج عنه في اليوم التالي. في اليوم التالي تم إبلاغهم بنقله إلى سجن آخر؛ عرفت الزوجة وعائلة المختطف بعد أكثر من 30 يوماً أن زوجها مُعتقل في سجن "هبرة" وهو السجن الأكبر الذي استخدمه الحوثيون ضد مناوئي الجماعة وأولئك الرافضين لانقلابها على السلطة بمساندة من قوات محسوبة على الرئيس السابق.


تقول الزوجة: "إلى الآن لا نعرف التهمة الموجهة إلية؛ ودفعنا مبلغ قدرة مليون ريال بالتقسيط لأي طرف يتقدم للمساعدة لإخراج زوجي المريض، لكن لا فائدة ترجى إلى الآن".


وأبلغ نجل أحد المختطفين  أن والده المختطف منذ مطلع العام 2الماضي 2016، دفع للحوثيين أكثر من مليون ريال لإخراجه من السجن، واستدان المبلغ من أقاربه الذين يعملون في دول الخليج. لكنه ما يزال محتجزاً إلى الآن، ويبدو أن وعود الإفراج عنه ما هي إلا مجرد ابتزاز لكسب المال.


 حالات أُفرج عنها


لم تكن كل محاولات الإفراج عن المعتقلين فاشلة أو يَختفي المسؤولون الحوثيون مع الأموال، فهناك حالات تم الإفراج عنها لكن الثمن كان باهظاً جداً، من بين هؤلاء "أسامة الزافني" الذي اعتقل عدة أشهر، ودُفع للحوثيين مبلغ (7 ملايين ريال)، وعندما خرج من السجن فرَّ هو وعائلته إلى الخارج.
"فارس.ح"، أحد الذين اختطفهم الحوثيون، وقامت والدته بعملية "رهن" منزلها للحصول على مبلغ (4 ملايين ريال) سلمتها للحوثيين، وبعدها تم الإفراج عن ابنها، لكن الحوثيين عادوا في اليوم التالي من أجل اختطافه مرة أخرى، غير أنه قد فرَّ إلى خارج العاصمة.


لا يشمل هذا العرض فقط ممن تشتبه بهم الجماعة المسلحة عقب تنفيذ عملية "عاصفة الحزم" في اليمن، لكنه كان منذ دخول الحوثيين العاصمة صنعاء وشَمل سياسيين ونشطاء وصحفيين، وآخرين.
من بين من تم الإفراج عنهم مقابل مبالغ مالية قيادات في حزب التجمع اليمني للإصلاح (الإسلامي المعارض للحوثيين) وهم "عبدالله السماوي" و"محمد العديل" و"علي الحدمة" والذين اختطفوا وأفرج عنهم قبل العمليات العسكرية، وتم دفع مبلغ (مليون ريال) للحوثيين عن كل واحد من هؤلاء الثلاثة، كفدية قدمها الأهالي مقابل إطلاق سراح أبنائهم.


ومن بين الأكاديميين تم اختطاف "الدكتور محمد البكري"، ودفعت عائلته مبلغ مليون ريال من أجل الإفراج عنه، وهو ما تم بالفعل، وغادر بعدها، البلاد.


نهب حسابات بنكية للمختطفين


من بين القصص الأخرى التي تبدو أكثر إمعاناً في نهب أموال المختطفين، حادثة تحدث عنها شهود على القضية ، فقد تم إخراج المعتقل "محمد الرسي" إمام وخطيب مسجد "الخلفاء الراشدين" في صنعاء وهو مُكبل اليدين، إلى "بنك التضامن" في حي "التحرير"، وتم إجباره أمام الناس والموظفين العاملين في البنك على إعطاءهم رقم حسابه المصرفي، ونهب كل أمواله ومدخراته التي ظل يجمعها لسنوات. ثمَّ أعادوه إلى السجن!


يقول أهالي معتقلين في سجون الحوثيين إنهم يتعرضون لعملية مستمرة من الابتزاز، وأن الحوثيين يبلغونهم أن على أبنائهم تُهماً خطيرة قد توصلهم إلى الإعدام، من أجل إجبار الأهالي والمختطفين على الاستجابة لشروط الابتزاز، ودفع فدى مالية ضخمة.


في الأرياف قصة أخرى


يملك الحوثيون حضوراً لافتاً في الأرياف، بما أن المجتمعات المدنية تبتعد عن الانتماء للجماعة والانخراط فيها، ومع ذلك يَحصد المعارضين للحوثيين ولسياساتهم عمليات نهب واسعة.


يقول أحد المزارعين في محافظة ذمار، إن الحوثيين قاموا باعتقاله ونقله إلى سجن البلدة التي يسكن فيها بتهمة انتمائه لـ"داعش" (تنظيم الدولة في البلاد الشام والعراق) وتم إجباره على التنازل عن أرضه الزراعية لصالح أحد أبناء قريته، والذي أصبح قيادياً في الجماعة المسلحة (الحوثي)، عندما تم اجتياح العاصمة صنعاء.


لم يكن الرجل يعرف حتى مجرد معنى كلمة "داعش"، فهو لا ينتمِ إلى أي حزب سياسي ولا لجماعة، يمتهن الزراعة طول حياته ويعيش في القرية.


توعد الرجل بالاقتصاص لماله وأرضه ببندقيته عندما تعود الأمور لطبيعتها، وسيبدأ بمن كُتبت الأرض باسمه؛ ويحمل الأمر أبعاداً خطيرة في معالجة آثار نفوذ الحوثيين وتوسع سلطتهم.


صفقات دَسمة


حاولنا التواصل مع قيادات في جماعة الحوثي المسلحة للرد على هذه الاتهامات، بينهم اثنان رفضا التعليق على الموضوع.


مصدر في الجماعة المسلحة ومُطلع على عمليات من هذا النوع يقوم بها المشرفون (قيادات في الجماعة تتولى إدارة المناطق الخاضعة لسيطرتهم من الخلف)، قال مشترطاً عدم الكشف عن هويته لحساسية الموضوع، إن هذا الملف أخذ أبعاداً مختلفة وأصبح المشرفون هم المسؤولون عن عمليات الاعتقال والاختطاف والسجن والحصول على "الفدية المالية" من الأهالي، بعد أن كانت أوامر الاعتقال للمناوئين تخضع لشرط عدم إثارة الناس ضد الجماعة، أما الآن فقد أُبيح الاعتقال للجميع من أجل الحصول على المال".


ووفقاً للمصدر فإن "العملية ليست منظمة من الجماعة المسلحة لكنها تحولت إلى ظاهرة، وأصبح "المشرفون" يحققون مكاسب كبيرة للغاية من وراء الاعتقالات وفرض الجبايات في مناطق سيطرتهم ونفوذهم"، مشيراً إلى أن "أحد المشرفين يحصل على مبلغ يقارب "مليون ريال" بشكل يومي للحصول على ضرائب وجبايات، عدا التي يتم تسليمها للجماعة ومصاريف مرافقيه من المسلحين الذين يجيشهم في الأسواق".


يصف المصدر أن صفقة إفراج عن مُعتقل كان سياسياً أو رجل أعمال بـ"الدَسِمة"- كناية عن مبالغ كبيرة وسهلة- للمشرف الحوثي حتى لو كانت خارج منطقة سيطرته، فسيتقاسم المبلغ مع المشرف الآخر الذي يوجد لديه المعتقل، لكن في العادة يشترط هؤلاء المشرفون أن تكون الأمور سرية وبعيدة عن وسائل الإعلام، أو ألا تكون هناك جريمة -حقيقية- تتمثل في أن تكون هناك أوامر عليا من قيادة الجماعة باعتقالهم".


وضعٌ بائس


يقول المحامي/ عبدالمجيد صبرة- أحد محامي الدفاع عن المعتقلين- إن "الوضع بائس ومخيف جدا بسبب الممارسات غير القانونية من قبل سلطة الأمر الواقع (الحوثي/ صالح) التي قامت باختطاف العديد من اليمنيين وجرّهم إلى السجون بدون وجود تهم واضحة".


وتحدث صبرة عن "تخوف بعض الأهالي من اللجوء إلى المحامين للدفاع عنهم، كذلك يطلب منهم عدم التدخل في قضية معتقلهم خوفاً عليه من بطش معتقليه، فيضطر إلى الانسحاب".


وتطرق إلى المحاكمة التي أعلن عنها لمحاكمه 36 معتقل وانه لم يتم الاطلاع على الملفات رغم استمرارنا بطلبها، ولكن فوجئنا بيوم إعلان المحاكمة بدون إبلاغنا فذهبنا وقدمت إلينا جميع التهم التي وجهت إلى المعتقلين كذلك تم التحدث عن أساليب التعذيب غير الإنسانية التي مورست ضد المعتقلين وتم تأجيل المحاكمة إلى بعد العيد، لافتاً إلى "غياب إعلام الطرف الآخر أثناء الجلسات".


فيما يكتفي الحوثيون بنشر الأخبار عبر وسائل إعلامهم.


وتحدث صبرة قائلا "يتم إجبار المعتقلين على الاعتراف بأعمال لم يقوموا بها، بعضها قد يكونوا متواجدين بالمعتقل أثناء وقوع تلك الحوادث".


ولفت المحامي اليمني إلى الدور غير الإيجابي من قبل النيابة "دور النيابة دور سلبي وتحلل للحوثيين أخطاءهم بشكل قانوني، وتتستر عن أعمالهم".


ويسيطر الحوثيون على مؤسسات الدولة، بما في ذلك القضائية والتشريعية والتنفيذية منذ اجتياح العاصمة صنعاء أواخر العام 2014.


وعمد مسلحو الحوثي إلى اختطاف العشرات من السياسيين والناشطين والصحفيين المناوئين للجماعة، وأودعوهم سجوناً سرية دون تهم أو محاكمات، فيما يمارس مشرفون على هذه المعتقلات ابتزازاً مالياً على الأهالي من أجل زيارة ذويهم أو إطلاق سراحهم.


وتقول تقارير لمنظمات حقوقية إن المختطفين يتعرضون للتعذيب على يد مسلحي الحوثي وحلفائهم، فيما تلتزم الجماعة الصمت حيال ملف المختطفين.


وفي الـ26 من مارس/ آذار 2015، قادت السعودية تحالفاً عسكرياً عربياً ضد الحوثيين و"صالح"، تقول الرياض إنه جاء بناء على طلب من الرئيس هادي وحكومته لإنهاء الانقلاب وعودة الشرعية.


ويشير رئيس هيئة الدفاع عن المعتقلين المحامي عبدالباسط غازي إلى أنه: "لا يوجد حالة من المعتقلين إلا وطلب الحوثيون من أهاليهم مالاً"، مقدماً نصيحة لأهالي المعتقلين ألا يدفعوا مالاً مسبقاً إلا بعد خروج المعتقل من السجن.


وقال غازي : إن معتقلين أبلغوه بتعرضهم للابتزاز وأخرجوا هؤلاء المعتقلين بمبالغ باهظة تصل إلى (5 ملايين ريال) ذاكراً عدداً من هؤلاء المعتقلين الذين يحتجب عن ذكر أسمائهم. مشيراً إلى أن أحد المعتقلين أُفرج عنه مقابل أخذ سيارته الشخصية!


وبالرغم من كون غازي محامياً ويعبّر عن استيائه من المبالغ المهولة المطلوبة من الأهالي ويعلن رفضها إلا إنه قد يبرر دفع تلك المبالغ في ظل انعدام وجود الدولة ومؤسساتها القضائية، لكنه يشترط ألا تتعدى "600 ألف ريال أو لا يدفع مطلقاً لا أقبل بهكذا ابتزاز يتعدى المعقول".


يشير غازي إلى أن بعض الحوثيين يرفضون هذه الأعمال ويجرمونها وينقل عنهم "فليسرقوا الدولة ولكن لا يسرقون المواطن العادي"، ويوضح أن أحد المشرفين الحوثيين تم معاقبته بالحديدة بالسجن شهر واحداًظ -فقط- جراء الحصول على تلك الأموال من أهالي معتقلين.


ويختم غازي حديثه  إن دور بعض المنظمات "سلبي" والتي تتعلق بالدفاع عن المعتقلين، كون تلك المنظمات تنشر معلومات عن وضع المعتقل يؤدي بالمعتقل إلى المزيد من غرف التحقيق والتعذيب ولا يستفيد منها المعتقل سوى المزيد من المعاناة بعد أن تحقق تلك المنظمة صيتاً إعلامياً (حسب وصفه).

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
تواصل معنا