أثبت الأميركيّون، والمقصود هو الإدارة الديموقراطية الجديدة، أنهم لا يعرفون عن اليمن شيئاً وإلاّ لما كانت أولُّ خطوةٍ لهم هي تخليص صفة الإرهاب عن "الحوثيّين" الذين لو دقّق الرئيس جو بايدن في الأوضاع اليمنية جيداًّ لاكتشف أنّ هؤلاء فيلقٌ عسكريٌ إيرانيٌ تابعٌ للحرس الثوري الإيراني وإنّ مرجعيته السياسية والبعض يقول و"المذهبية" أيضاً هو الوليُّ الفقيه علي خامنئي وأنّ حزب الله، الذي لم يعدْ لبنانياً، هو وليُّ أمره وإنّ بدايات "مشواره" هذا كانت قد بدأت منْ ضاحية بيروت الجنوبية التي تحوّلت، ومعها جنوب لبنان والبعض يقول لا بلْ وبلاد الأرزِ كلها، إلى مسلخٍ بشريٍ من يدخله منْ غير الذين يباركهم حسن نصرالله لا يخرج منه إلا قطعاً تتلقّفها أسماك البحر الأبيض المتوسط.
قبل أيامٍ قليلة مضت كان هناك إنسانٌ لبناني طيّبٌ ومسالمٌ وينتمي مذهبياً إلى الطائفة الشيعية إسمه: لقمان سليم لكنّ مشكلته أنه يرفض تشيّع حسن نصر الله وتشيّع علي خامنئي وحراس الثورة الإيرانية وكانت الأقدار قد ساقته إلى الجنوب اللبناني، وهكذا فإنه قد ذهب ولم يعدْ ماشياً على قدميه وإنما جثةً مزّقها الرصاص وعلى غرار ما حدث مع آخرين كثيرين مثله رفضوا التبعية للوليِّ الفقيه ورفضوا تدخّل نظام بشار الأسد في شؤون بلدهم الداخلية وأصرّوا على أنّ "لبنانهم" دولةٌ مستقلةٌ بكلِّ طوائفها الإسلامية والمسيحية.
وبالطبع فإنّ هذا المواطن اللبناني، لقمان سليم، عندما قرّر الذهاب إلى الجنوب اللبناني الذي هو أحد أبنائه لم يتذّكر ولم يخطرْ في باله أنّ رئيس الوزراء اللبناني الإنسان الطيب المعطاء رفيق الحريري قد "سبح" ضدَّ التيار "الأسدي" وليس السوري وناهض الوجود الإيراني، وجود الميليشيات المذهبية الإيرانية التي باتت تتسرّب في شرايين العديد من الدول العربية من بينها اليمن الذي حوّله الحوثيّون من سعيدٍ إلى تعيسٍ فكان مصيره إنفجارُ ألفِ كيلو جرام من مادة الـ "تي.إن.تي" في موكبه في الرابع من فبراير (شباط) عام 2005 وكانت المحصلة بالإضافة إليه "21" قتيلاً لا يزال أهلهم وأقاربهم يبكونهم حتى الآن.
وهنا وعودٌ على بدءٍ كما يقال فإنّ هذه الإدارة الأميركية الجديدة، التي ينطبق عليها ذلك المثل القائل: "منْ أوّل غزواته كسرَ عصاته"، لم تعطِ لنفسها فرصةً للتدقيق جيداًّ في أوضاع هذه المنطقة، التي باتت إيران الخامنئية تتسرّب في شرايين أربعٍ من دولها والحقيقة وأكثر، وفي مقدمتها التي كان على جو بايدن أنْ يقرأ ولو شيئاً قليلاً عنها والمقصود هنا هو اليمن التي منْ لا يعرفها لا يعرف عن تاريخ هذا الجزء من العالم شيئاً، ويقيناً لو أنه فعل هذا لأدرك أنّ "الحوثيّين" ليسوا ملائكة رحمةٍ ولا تجارَ "بنٍ" (قهوة) لا مثيل له في العالم كله ولا أطيب من مذاقه ورائحته وإنما: "إرهابيون وقتلة" وأنهم تتلمذوا على يد حسن نصر الله صاحب ضاحية بيروت الجنوبية التي إبتلعت بلاد الأرز كلها ومعها جزءاً ممّا يسمى: "القطر العربي السوري"!!.
وحقيقةً إنّ هذا الذي فعله جو بايدن دون أنْ يسأل أصدقاء الولايات المتحدة في هذه المنطقة الملتهبة عن هؤلاء "الحوثيّين" الذين حرّرهم ساكن البيت الأبيض الجديد من تهمة الإرهاب الغارقين فيها إلى ما فوق أنوفهم قد جعل كثيرين "عندنا"، نعم "عندنا"، يذرفون دموعاً ساخنةً حقيقيةً وليس دموع تماسيحٍ على دونالد ترامب الذي عندما غادر البيت الأبيض بادر كثيرون من أهل منطقتنا إلى "فركِ" أكُفّهم ببعضها فرحاً.. وها هم اليوم يبكون عليه ندماً عندما شاهدوا كيف أنّ الذي جلس على الكرسيّ الذي كان يجلس عليه لم يعطِ نفسه فرصة ليعرف أنّ هؤلاء الذين لم يرَ في اليمن غيرهم: قتلةٌ وأنهم تتلمذوا على يدِ حسن نصر الله.. ويدِ قاسم سليماني قبل أنْ يريح ساكن البيت الأبيض السابق هذه المنطقة من أفعاله الإجرامية وشروره الكثيرة!
وزير الثقافة والاعلام الاردني السابق
نقلا عن ايلاف
- المقالات
- حوارات