اسم عبد الله عزّام ليس مألوفاً، على الأقل مقارنة بأسامة بن لادن، الأكثر شهرة بسوء سمعته، لكنّ رجل الدين الفلسطيني المتشدّد هذا، الذي ألهم العرب وحشدهم للقدوم إلى أفغانستان لمحاربة الاتحاد السوفييتي في ثمانينيات القرن الماضي، يعدّ أهم شخصية جهادية قبل ولادة تنظيم القاعدة والتبعات المستمرة لهجمات 11 أيلول (سبتمبر) على الولايات المتّحدة.
وحتى الآن، يحمل كثيرون، ممّن يعتقدون أنّ الأمة الإسلامية أكثر أهمية وشرعية من الدول التسلطية العربية والإسلامية، مشاعر التوقير نحو عزّام، وقد أطلِق اسمه على مساجد ووحدات قتالية ومعسكرات تدريب ومواقع إلكترونية، منذ اغتياله في باكستان عام 1989، ويمتلك معجبون بعزّام حسابات على تويتر وتلغرام.
والرّوايات غير النقدية والبطولية حول إنجازاته لا حصر لها، باللغتين؛ العربية والإنجليزية.
بحث دقيق في حياة عزّام
وكما هو متوقّع من باحث مشهور؛ يقدّم توماس هيغامر قصّة مبنية على بحث دقيق في حياة عزّام وزمنه وأهميّته، وتكمن حجّة هيغامر الرئيسة في أنّ عزّام كان مسؤولاً عن تدويل الجهاد من خلال تفسيره لاهوتياً على أنّه فريضة، وهو الأمر الذي مثّل خلافاً مع منظري جماعة الإخوان المسلمين الذين بشّروا بالمعارضة المحلية للأنظمة العلمانية الأتوقراطية، في مصر وسوريا والعراق وليبيا، لكنّ الطّابع القمعي لتلك الأنظمة، كما يُحاجج هيغامر، هو الذي جعل الجهاد "يأخذ منحى عالمياً".
ولد عزّام في فلسطين عام 1941، وكان طفلاً عندما تأسّست إسرائيل، وشهِد الفلسطينيون النكبة، وقد نشأ في الضفة الغربية الأردنية، وانضمّ إلى جماعة الإخوان المسلمين ودرس في جامعة الأزهر في القاهرة (حيث روّعته علمانية مصر الناصرية) وتأهَّل كرجل دين.
وفي أعقاب حرب عام 1967، التي أدّت إلى نزع الشرعية عن الجمهوريات العربية إلى حدٍّ بعيد، انضمّ إلى الفدائيّين الفلسطينيين، لكنّه شاهدهم عاجزاً يُطرَدون من الأردن، في "أيلول" عام 1970، ثمّ انتقل إلى السعودية وحاضر في الشريعة وأقام روابط قيّمة في وقت أصبح فيه مفهوم الوحدة الإسلامية شائعاً بشكل متزايد.
ينظر هيغامر إلى تجربة عزام القتالية المبكرة باعتبارها مفتاحاً لتأثيره، رغم أنه قضى وقتاً أطول بكثير في إلقاء الخطب وتأليف الكتب والمقالات من محاربة السّوفييت؛ فقد أدار "مكتب الخدمات" في بيشاور، الذي قدّم الدعم اللوجستي والتدريب لحوالي 7,000 من "الأفغان العرب"، الذين وصلوا من كافّة أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لتحدّي "الكفّار" الذين غزوا البلاد عام 1979، وكانت عقول هؤلاء الأفغان العرب "مليئة ببطولات سيلفستر ستالون ورؤى الجنّة".
كان يُنظر إلى عزّام، الذي أُشير إليه على نطاقٍ واسع باسم "الشّيخ عبد الله"، على أنّه "جهاديّ فحل"، و"نجم روك إسلاموي"، وفق تعبيرات هيغامر الدّقيقة، وإن كانت غير أكاديمية بشكلٍ لافتٍ للنّظر.
لقاء بن لادن
التقى بن لادن، وهو سليل عائلة سعودية ثرية، في أواخر سبعينيات القرن الماضي، ولكن على عكس ما أشارت دراسات سابقة، لم يكن متورطاً فعلياً مع تنظيم القاعدة، رغم أنّه لم يعارضه "واحتفظ بعلاقة لائقة مع بن لادن حتى النهاية"، استناداً إلى هذه القصة، يتكهّن المؤلّف، في قسمٍ يحمل بوضوح اسم "حقائق مضادّة"، أنّه لو عاش عزّام، ربما كان قد أيّد الحرب ضدّ الولايات المتحدة.
كانت فلسطين ذات أهمية كبيرة بالنّسبة إلى عزّام، وامتدّ عداؤه المستمر لإسرائيل إلى مواقف لاسامية لا شكّ فيها، كما كره منظمة التّحرير الفلسطينية وغيرها من "الخونة اليساريّين الملاحدة"، وكثيراً ما يستحضر أنصار حماس، حركة المقاومة الإسلامية، التي تسيطر على قطاع غزّة المحاصر، اسمه.
وكما قال أحد كتّاب سيرته بالعربية؛ فإنّ "جثة الشيخ في أفغانستان، لكنّ روحه تحلّق على نابلس والقدس"، ومع ذلك، كان من الأفضل بالنّسبة إليه شنّ الجهاد في أفغانستان من عدم شنّ الجهاد على الإطلاق.
زيف الأسطورة
بشكل مقنع، يفضح هيغامر زيف الأسطورة، المفضلة لدى اليسار، القائلة إنّ أحداث 11 أيلول (سبتمبر) كانت بمثابة "ردّ فعل سلبيّ" ضدّ الولايات المتّحدة، التي روّجت للجهاد المناهض للسوفييت في أفغانستان لمصالحها خلال الحرب الباردة. ويوضح أنّ وكالة المخابرات المركزية (إلى جانب جهاز "إم آي 6" البريطاني) لم تكن مكترثة إلى حدّ كبير بالمجاهدين العرب، الذين كانوا عديمي الأهمية عسكرياً، وركّزت بدلاً من ذلك على دعم الأفغان، رغم أنّه أشار إلى أنّ عزّام تمتّع بوصول دون عوائق إلى الولايات المتحدة لجمع الأموال وتجنيد الأتباع.
وكما يكتب؛ فإنّه "في الرواية الإسلاموية التي تلعب دور الضحية، التي تطوَّرت منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي فصاعداً، تُصوَّر الدّول الغربية على أنّها دول تعاني رهاباً من الإسلام على نحو شرير وعازمة على قتل المسلمين وإذلالهم، ولا نجد أيّ أثر للاعتراف بالدّعم الّذي قدّمه الغرب للمقاومة الأفغانية، وهذا يدلّ على أنّ الحقائق التاريخية، في الرّوايات ذات الدوافع الأيديولوجية، يمكن أن تُلوى بشكل يجعلنا غير قادرين على التعرّف إليها".
ومع ذلك، تمتّع عزّام بسمعة رهيبة، بوصفه واعظاً كاريزميّاً روى قصصاً عن البطولة (كان من بين ثيماتها المفضّلة دم الشّهداء الّذي له رائحة المسك) من ساحة المعركة وألهم المجاهدين بخطبٍ لا تُضاهى، لقد كان مسوّقاً بارعاً، واجتذب، هذا المكافئ الجهادي لتشي غيفارا، إعجاب المسلمين في كافة أنحاء العالم، بما في ذلك نجم البوب كات ستيفنز، الذي صار يُدعى لاحقاً يوسف إسلام.
يعزو هيغامر موت عزّام "أكبر لغز يتعلّق بمقتل [زعيم] في تاريخ الجهاد"، وكان إثر تفجير في بيشاور، إلى المخابرات الباكستانية أو الأفغانية، بدلاً من تنظيم القاعدة أو وكالة المخابرات المركزية الأمريكية أو المخابرات السوفيتية أو الموساد الإسرائيلي، وتلك قائمة محتملة من المشتبه بهم تُثبت مدى تأثير الشيخ عبد الله.
يتعاطى كتاب "القافلة: عبد الله عزّام وصعود الجهاد العالميّ" مع موضوعٍ حسّاسٍ للغاية ومثير للجدل، لكنّه دقيق، وقائم على الأدلة، ومفعم بالتمييزات المحكومة بعناية، ما يجعله تاريخاً حديثاً (حول عزّام) بأفضل شكل ممكن.
مصدر الترجمة عن الإنجليزية:
إيان بلاك، الغارديان
- المقالات
- حوارات