
ليس فقط بفضل حبكته المشوقة برز مسلسل "دروب المرجلة" كواحد من أبرز الأعمال الدرامية هذا العام في زحام المسلسلات الرمضانية اليمنية، بل بفضل عوامل عدة منها ذلك البدوي الشامخ الذي يجسده الفنان صالح العولقي ببراعة مذهلة. شخصية "مقناص" ، الرجل الذي تحول من قاطع طريق إلى حامي للقبيلة، لم يكن ماقام به مجرد دور تمثيلي، بل أصبح ظاهرة فنية ألهبت مواقع التواصل الاجتماعي، وجعلت الجمهور اليمني والعربي يُعلقون على كل حركة وعبارة ينطقها العولقي بلهجة بدويّة صافية، كأنها نبع من قلب صحراء اليمن القاسية.
رحلة التتويج كـ"ملك البدو"
منذ ظهوره الأول في مسلسل "همي همك" بدور الشيخ راشد، أثبت العولقي أنه رقم صعب في الدراما اليمنية. لكن دور "مقناص" في "دروب المرجلة" كان تحولًا نوعيًا في مسيرته. لم يكتفِ العولقي بأداء النصوص، بل اخترق جلد الشخصية، مُستخدمًا كل أدواته التمثيلية: نظرة عينيه الحادتين كسيف البدو، وقفته المهيبة، واللهجة البدوية التي تتدفق منه كماء المزن.
حتى تعابير وجهه المُتحولة بين الغضب والحنان، والشراسة والتوبة، جعلت المشاهد يعيش معه رحلة التغيير الدراماتيكي لشخصيته، من رجل يصول ويجول في الطرقات مُهددًا، إلى حاميٍ يذوب قلبه ألماً على قبيلته.
هنا، لم يُقدم العولقي تمثيلاً، بل صنع تاريخًا.
التوبة التي غيرت مصير القبيلة
لم يكن تحول "مقناص" من قاطع طريق إلى حامي للقبيلة مجرد منعطف درامي، بل كان رسالة إنسانية عميقة. العولقي استطاع أن يجعل الجمهور يتعاطف مع رجلٍ كان بالأمس "مُجرمًا"، واليوم هو "بطلًا". مشاهد صراعه الداخلي بين ماضيه الأسود وحاضره النقي، كشفت عن عمق تأثير الشخصية في الحبكة. فعندما يصرخ "انه تاب لكن لا احد يصدقه" ، لم تكن مجرد جملة، بل كانت زلزالًا هزَّ وجدان المشاهدين.
هكذا حوّل العولقي الشر إلى خير، ليس في القصة فقط، بل في قلوب من يشاهدونه.
"مقناص" يكسر الحدود بين الواقع والتمثيل
التفاعل مع العولقي فاق كل التوقعات. على منصات التواصل الاجتماعي، يتساءل الجمهور: "هل صلاح العولقي بدوي حقًا؟!" ، لتبدو الشخصية حقيقية لدرجة أن البعض نسي أنها تمثيل. التعليقات تضجّ بإشادة خاصة بقدراته في نطق اللهجة البدوية بثقة، حتى أنه تولى مهمة "تصحيح اللهجات" للممثلين الآخرين في المسلسل، مما يؤكد احترافيته وخبرته. ولم يقتصر الأمر على اليمنيين، بل تجاوز الحدود إلى الجمهور العربي، الذي أشاد بـ"صدق الأداء" و"الكاريزما البدوية" التي يمتلكها العولقي.
البداوة ليست زيًا.. بل هوية يُحييها العولقي
صالح العولقي لم يُقدم بدويًا كرتونيًا، بل غاص في تفاصيل الثقافة البدوية اليمنية، من عادات وأسلوب حياة، حتى أن بعض المشاهد تُعيد إلى الأذهان صورًا حية من حياة البدو في اليمن. هنا، لم تكن اللهجة مجرد كلمات، بل كانت جسراً يربط الماضي بالحاضر، ويجعل المشاهد يُدرك أن البداوة ليست "فولكلور"، بل هوية تختزن قيمًا كالشجاعة والكرم والوفاء. العولقي، بحسه الصادق، حوّل الشخصية إلى وثيقة حية عن البدو اليمنيين، بعيدًا عن الصور النمطية.
فتألق العولقي ليس حدثًا فرديًا، بل إشارة إلى أن الدراما اليمنية تزخر بمواهب قادرة على المنافسة عربيًا، خاصة في الأعمال التي تتناول البيئة البدوية والقبلية. فنان مثل صالح العولقي، الذي يجمع بين الموهبة والوعي الثقافي، يُعتبر نموذجًا للممثل اليمني الواعد.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه:
هل ستُدعم هذه المواهب بسيناريوهات قوية وإنتاجات مميزة تُخرجه من الإطار المحلي إلى العالمي؟
ختامًا:
صالح العولقي.. نجم كبير يلمع في سماء الدراما اليمنية، فهل يجد طريقًا للنجومية خارج الإطار المحلي؟!
بقي أن نقول:
إذا كانت الدراما اليمنية تبحث عن سفيرٍ يعبر بها إلى الى خارج النطاق المحلي، فصالح العولقي هو ذلك السفير. فهل يُفتح له الباب؟

- المقالات
- حوارات