
"استُشهد وهو بجواري، في لحظةٍ من أصعب لحظات العمر"، بهذه الكلمات عبّر المصور اليمني "صهيب الحطامي" عن وجعه لفراق شقيقه صانع الأفلام الوثائقية "مصعب الحطامي"، الذي قتل بجانبه وآخرين، بينما أصيب هو بهجوم مدفعي للحوثيين على موقع كانوا يتواجدون فيه، جنوبي محافظة مأرب (شمال شرق اليمن).
ووصف "صهيب"، في تدوينة عبر حسابه على "فيسبوك" بعد ساعات من الاستهداف الذي أودى بحياة أخيه، العائد حديثاً من خامس بلدان العالم سعادة "هولندا"، ليوثق جزءاً من المآسي التي تعيشها بلاده، بأنها "لحظة لا تُنسى، ولا يمكن للكلمات أن تصف رعبها وألمها".
المصور الصحفي "صهيب" مضى في الحديث عن الاستهداف الذي أودى بحياة أخيه، المخرج والصحفي "مصعب"، وهما الاثنان نجلا الصحفي "عبدالحفيظ الحطامي"، قائلا: "استهدفتنا قذائف الهاون، واختاره الله إلى جواره شهيدًا، وترك في قلبي فراغًا لا يملؤه إلا اللقاء في الجنة بإذن الله".
وأمس السبت، 26 أبريل/ نيسان 2025، قُتل "مصعب الحطامي"، بقصف شنه الحوثيون على مواقع جبهة الكعد جنوب المحافظة، أثناء إعداده فيلماً وقصصاً إنسانية، وكان برفقته ثلاثة من أفراد الجيش الوطني والمقاومة الشعبية من أسرة العرادة، وأُصيب شقيقه "صهيب".
هكذا أنهت قذيفة حوثية حياة الشاب الذي بدأها من مدينة الحديدة (غربي اليمن)، قبل أن ينتقل إلى الأردن في العام 2014، وصولاً إلى شمال غرب أوروبا، في هولندا تحديداً، ليعيش فيها لاجئاً لعشر سنوات حتى حصل على جنسيتها قبل شهرين.
وداع الكبار
بشموخ وإكبار وصلابة، ودع الصحفي "عبدالحفيظ الحطامي"، ولده الذي شيع جثمانه، صباح اليوم، في مقبرة الشهداء بمدينة مأرب، مؤكدا أن "مصعب لن يكون أغلى من بقية الشهداء الذين ضحوا بدمائهم، من أول لحظة في الدفاع عن الوطن".
يقول "عبدالحفيظ"، إن نجله مصعب جاء إلى مدينة مأرب في زيارة عائلية ولإنتاج عمل إعلامي، واستهدفه الحوثيون في أحد الأماكن القريبة، من المدينة" مضيفاً: "نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبله في الشهداء والصالحين وأن يرحم كل شهداء الوطن، وأن يكون دمه بارقة أمل لنصر قادم بإذن الله تعالي".
ومثّل مقتل "مصعب"، وهو الشاب الذي بدأ حياته من مدينة الحديدة (غربي اليمن)، لينتقل إلى الأردن في العام 2014، وصولاً إلى شمال غرب أوروبا، في هولندا تحديداً، ليعيش فيها لاجئاً لعشر سنوات حتى حصل على جنسيتها قبل شهرين، صدمة للكثير من معارفه وزملائه في الوسط الإعلامي.
كان "مصعب" يتمتع بمهارات مميزة في التصوير والإخراج، وعاد إلى قبل أيام مأرب لزيارة أسرته المناضلة، بعد غربة دامت عشر سنوات، وخلال زيارته حرص على التوجه إلى زيارة الجبهة الجنوبية بغرض تنفيذ فيلم وثائقي، برفقة شقيقه المصور الشجاع "صهيب الحطامي"، الذي اعتاد أن يوثق بعدسته بطولات المقاتلين منذ اندلاع الحرب مع جماعة الحوثي المصنفة في قوائم الإرهاب.
"مصعب" الذي عشق الحياة كما يعشق الفنان لوحته، والذي كان يصنع بالأمل أفلامًا تحكي عن وطنٍ يتوجع لكنه لا ينكسر، هكذا كتب الإعلامي "وليد المعلمي" في رثاء "مصعب" الذي قال إنه "قضى عشر سنوات مغتربًا في هولندا وقبلها في الأردن، يحلم بوطن يحتضن روحه، وعندما عاد ليشارك في عرس أخيه، عاد محمّلًا بالشوق والحب، وهو لا يدري أن رصاص الغدر كان له بالمرصاد".
"بقصف حوثي غادر، خُطت نهاية قصة بطل، كان يجوب الأرض باحثًا عن قصص الأبطال، لينسج منها أفلامًا تفضح إرهابهم، لكن النهاية كانت أكثر وجعًا، أصبح مصعب نفسه قصةً من قصص البطولة، فيلمًا حيًا يصرخ في وجه العالم، يحكي عن شعبٍ تُغتال أفراحه ويُسرق حلمه"، يضيف "المعلمي".
تذكرة عبور الألم
وعن الفاجعة، كتب الأديب والصحفي "عبدالرزاق الحطامي": "وجعي عليك كبير يا مصعب، وقلبي على قدمك يا صهيب حتى تقف أقوى وتغادر صدرك آخر شظية من إصابتك في عام سابق.. الأرض يا مصعب لا تنسى أبناءها البررة، تتلهف وجوههم في أصقاع الغياب، هي أذكى منا جميعا، تعرف من يحب وتسوط قلبه لواعج الحنين اللاهبة".
ويضيف: "تعرفهم تماما كأبيك عبد الحفيظ الحطامي، رجل النبل كله، والنضال كله، والعطاء كله، وقد أوسع الأرض عرضا وطولا بما لا يجاريه في التضحيات لاحق".
وتابع: "الأسرة جبهة وجيش، والبيت في الحديدة احتله الأغراب، وعرس محمد وصهيب كان على وشك لكن الفاجعة سبقت، الأبناء وقد نذرهم الأب منذ شهقة الميلاد الأولى للوطن بلا حساب، محاربين في سبيله بالكلمة والبندقية والعدسة، وصوتك أنت يا رسول تهامة الصادع الموجوع بأحزان اليمن وتحت يراعك تسجد الكلمات".
ويقول: "عاد مصعب بجنسية هولندية لتكون تذكرة عبور الألم اليمني اللا مرئي إلى العالم، من يسمع أنين اليمنيين الضائع في جوف الأودية السحيقة و حشرجات الرماد المنفوخ بأفواه تموت في القيعان، والغرب كما نعلم لا يؤمن إلا بحاملي جوازاته، والأفلام الحاذقة تصنع قناعاته أشد من الدين".
"ادخر مصعب شغفه كاملا لرائحة التراب البلدي التي ظلت تشعل هاجسه نحوها وقد بعد عنها الدار وشحط المزار حتى آب السندباد اليمني إلى عشه الأول.. عاد محتشدا بخبرة ثماني حجج في محراب عالمية الصوت والصورة، مقرراً أن يكون الألم اليمني اللا مرئي للعالم وغبار الحرب المنسية باكورة مشروعه الخاص"، يقول "عبدالرزاق" في نعي "مصعب".
عاد "مصعب"، وفي الأرض من نار الشوق وأجيج اللهفة ما لا تطفئه إلا حرارة العناق الأبدي حتى ذوبان الأضلاع، من هنا ابتدأ الفيلم الحكاية، وستأتي عبقرية الفكرة من زاوية غير مطروقة إذ وضع المخرج روحه بدلا من السيناريو فإذا هي حبكة الفيلم وبؤرة الرؤيا وعقدة الصراع"، هكذا ختم "عبدالرزاق" نعيه".

- المقالات
- حوارات