تعز ومن لا يعرف تعز ، شائت الأقدار أن تبكي على أطلالها بقايا طفلة هدها الجوع والأرق ، وقُدر للأمل أن يخبو ويتستر خلف رصاصة قناص أو قذيفة مدفعية ، و خيوط الحياة في تعز تموت قبل مولدها لتُبعث صباح كل يوم حاملة في جناباتها أمنية خجولة ، في خطواتها المثقلة بأهات الثكالى وأنين الأرامل ونحيب الأمهات وصراخ اليتامى تُفسح المجال للسلبية أن تطغى على الإيجابية لتتلاشى بين نيرانها الموقدة أحلام الثائرين وتموت فيها المواقف والإنسانية عقب غبار كل قذيفة في أحياها المكتضة بالبائسين .
وفيما كان الفزع يقيم حفلة أفريقية في الشوارع و ينبش في الأحياء كل الأمنيات المقهورة ويستفزها ويحرث الأعصاب بلا هوادة في محاولة يأسة بأئسة لإلقا بذرة الفناء في المدينة الحالمة ، وبين كل هذه الترهات والتراكمات قررت الأقدار أن تُبقي فوق أرض وتحت سماء تعز ، رجل من نباتها يعرفه الجميع بمواقفه الوطنية والإجتماعية ، ليُنذر نفسه وجهده لخدمة تعز وأبنائها ، يأخذ بأيدهم نحو الحرية والإندماج في الوحدة الإجتماعية واللُحمة الوطنية لمواجهة الظلام والموت والدمار الذي فرضته مليشيات الكهنوت السلالية على تعز .
عبدالقوي المخلافي ومن لا يعرفه ، الرجل التعزي الخالص الذي ظهر على الحالمة كسفينة نوح في وقت تتلاطم فيه الأمواج بأبناء وأرض تعز ، أثبت من خلال توليه وكيل المحافظة أنه المرساة التي يستند عليها أكثر من أربعة مليون نسمة ، أوجدته الأقدار بين مطرقة الواقع وسندان ضيق الأفق السياسي والعسكري والإجتماعي ، ورغم ذالك لم تقتصر جهود وتحركات المخلافي يوما على السياسة وأبعادها ، ولم تخرج عن إطار ما تحتويه الأهداف السامية لتلك الكتلة السكانية الكثيفة في المحافظة .
عبدالقوي المخلافي الذي يشغل حاليا وكيل أول محافظة تعز ، باب مكتبه لا يُغلق في وجه زائر ، أول الحاضرين وأخرهم إنصرافا ، يرسم خلال تواجده خلف مكتبه ملامح خطوط ارجوانية تخضبها بقايا إنسان ويكتب سيرة ذاتية اخرى عن تحمل المسؤولية وبذل الجهد ، يقهر الوقت وينعش الأمل ويحاول جاهدا القضاء على الألم في الحالمة تعز ، يضمد طوال وقته الجراح المتفاقمة الناتجة عن الحصار والقصف والفاجعة الحوثية ألا متناهية من سلاسل الدم المتواصل لمليشيا الكهنوت والدمار .
خطواته تهاليل النصر القادم من نقطة الصفر حيث البداية والنهاية في تعز ، حيث الحقيقة المطلقة التي لاتغفو عن أزيز قلم وصوت مدفع وخربشات الكون ، ليكمل ما بدأه الأحرار في رسم ملامح وطن ، فوق كل سياسة ورغم كل إنتماء ،يعمل المخلافي من ساعات الصباح الباكر ولا يحط رحال عمله حتى يغفو الجميع وتنام الأعين المنهكة في المدينة المحاصرة ، بعيدا عن المناكفات والتشظي يسعى الرجل إلى لم شتات ما فرقته القذارة وبدده الساسة ودمرته الحرب العبثية الحوثية في المدينة الحالمة .
في جلسة مِقيل جمعتني به وآخرين ، حذره الدكتور "عبدالسلام رزاز" وزير المياه و البيئة السابق من الإجهاد الزائد بالعمل ، ونصحه بأخذ إجازة مطولة حتى لا يصاب بالجنون بسبب الإجهاد المكثف ، متعجبا من حجم الإزدحام والإكتضاض البشري في مكتب المخلافي ، كيف لا وهو الرجل الذي بذل نفسه وجهده في سبيل تعز و أهلها ، وها هو اليوم وقبلها خلف مكتبه يقضي للناس حاجتهم رغم صراعه المرير مع المرض ، لم يأخذ إجازة ولم يستسلم لحمى الضنك ، وأي مرض ذالك الذي يعتقد أنه قادر على إبرام صفقة فلسفية مع المخلافي .
لسان حاله يقول هذه تعز تمرض لا تموت ، نحن أبنائها لم نتعود الهروب وسنظل نواجه حتى وإن لم نعد نفهم من سنواجه ولكننا سنواجه لأننا اعتدناعلى المواجهة ، هكذا ظهر المخلافي خلال اليومين الماضيين مقاوم جسور وسياسي طموح ، لن ينفع مرض في ثنيه عن واجبه الوطني و حمى الضنك لن تجدي أيضاً ، يعبر في الخطر ويحيك ألف مشنقة للمصاعب والعقبات وأعداء الإنسانية لتمر تعز نحو الفجر الجديد والمستقبل المنشود ، رغم سقمه يناضل ويبذل جهود جبارة في سبيل تحرير تعز من قفص الجوع ونرجسية الظمأ .
كم من الصعب أن نكتب الكلمات في رجل يتناقص ليكتمل أكثر ، ينتهي ليبدأ بصمت ، ليكون كل الكلام فيه محض عبارات عابرة ، نكتب فيه بينما يحلق كسرب جراد في سماء تعز ، يخط بيديه تاريخ الحاضر ليصل بتعز إلى السمو الأزلي ، تجده يعمل ليلا ونهار في مكتبه ومنزله في الأحياء والشوارع والبادية والحضر ، هناك في الضواحي والقرى يختصر العناء ويطوي الحواجز والسدود ، شعبي وبسيط ولا يحتاج إلى واسطة ، شامخ كثورة التيهور في المحيط ، هدفه أمن تعز وإستقرارها و عودة الحياة إلى طبيعتها و بناء مستقبل المدينة وأهلها خير بناء .
و أود الإشارة هنا إلى أن المخلافي لم يخرج من سرداب ولم ينزل من السماء ، لكنه من نبات هذه الأرض الحالمة من كوادر وقيادات تعز ، رجل منا و فينا ، يحاول جاهدا من منصبه وكيل أول المحافظة تخليصنا من مرارات الواقع والحاجة و الإستجداء والوحشية وكل البشاعات ويمنحنا سكينة وأمان وحياة أبدية مستقرة مزدهرة ، ونسأل من الله أن يقي روح تعز ونبضها من كل مكروه ،و أن يقيم الدكتور عبدالقوي المخلافي سليماً مُعافى من كل سقم ، ليظل لتعز حامياً ولأهلها معيناً و لأعدائها سداً منعياً .
- المقالات
- حوارات