سام الغباري
القتل من أجل صرخة !
الساعة 03:15 مساءاً
سام الغباري

نشر القيادي الحوثي "الصغير" عبدالله النعمي تعقيبًا مكابرًا على صفحته في فيس بوك تعليقًا على تناولة خاطبته فيها كأب بعد قراءتي صدفة لمنشور يولول فيه على رحيل طفليه "محمد ومجدالدين" واحدًا تلو آخر في حرب الهاشميين المفتوحة على الشعب اليمني . كان المعلقون العرقيين يشيدون بتضحيته ، يواسونه بعبارات مجاملة لن تعيد إليه روح طفليه اللذين قتلهما بيده .

..

لم يكن ذلك التناول تشفيًا برجل مهووس يتلذذ في سفك أطفاله ، إنها رسالة من أب إلى أب . في تلك الأشهر التي نفيت فيها عن وطني ، هاجرت لاجئًا إلى أرض الحرمين الشريفين كنت أتلظى كل لحظة بإبتعادي عن نجليّ الرائعين عُدي وقُصي ، سنة كاملة كأنها دهر ، ذات يوم رأيت " عدي" في منامي ، ساكنًا في فراشه فسعيت احتضنه ، وعندها صحوت ، ووجدتني أحتضن الفراغ ، ففزعت . كنت أخشى أن تلتقطه سيارة لقطاء حوثيين وتغويه بالذهاب إلى الجبهة ، فلا يعود إلا في أحلامي .

..

بعد أيام قليلة كنت في مطار شرورة الحدودي بانتظارهما . ومن بعيد لاحت سيارة بيضاء كبيرة ، ولم أستطع صبرا ، سعيت إليها حتى تلاقينا . ترجلا من السيارة ، وقفزا إلى ذراعيّ . احتضنتهما بكل الحب واللوعة ، تنشقت رائحتهما . درت معهما في حبور وسعادة . أضحك بلا توقف . شكرت الله الذي أعاد إليّ أطفالي وقر عيني بهما .

 

فماذا عنك ايها الوحش ..

بالأمس بعث صديقي صورة فاتنة لطفله الجميل "باسل عمار" ، بدا الطفل باسمًا ببراءة الملائكة مرتديًا حلة أنيقة ، وربطة عنق سوداء ، قلت: هل تسمح لأحدًا أن يؤذيه ؟ أجابني بعبارة غاضبة . ومضى يعاتبني . حدثني عن تفاصيل ولادته ، قلقه على أمه ، وانتظاره لحظة التحول إلى أب . عن شغفه بطفله الجديد ، وصوت بكاءه ، كان يحدثني كأنه أمامي ، تجسدت لحظة افتخاره بمولوده في عباراته .

..

إقرأ أيها الديناصور ..

بعد أن تغيب لحظات المواساة ، وهواتف قناة المسيرة ، حين يختفي هذا الضجيج ستبقى وحيدًا كضال . مشردًا في حوانيت حَجّة . تشعر بالخزي ، وعيون الناس تنظر إليك في شفقة كأنها تنطق : هذا الذي قتل طفليه من أجل صرخة ! في سبيل البحث عن وظيفة مشرف ! ، هذا الذي انتزع احشاء نجليه ولم يُحسن تربيتهما . لم يحافظ على هبة الله وقذفهما في جحيم مستعر . كان جبانًا على الموت . يسعى لأن يكون محضيًا في حضرة سيده اللعين فأخصاه .

..

ستظل عارًا على الأبوة والإنسانية ، فكل دعوة زفاف ستقتلك . وكل احتفاء بمولود يرهقك ، سننجب الكثير من أطفالنا ونتباهى بهم ، نرقص بالجنبية في أعراسهم ، نحضر احتفالات تخرجهم . وأنت لن تجد أحدًا يدخل عليك ليقول لك : يا أبي ! . لن تجد طفلًا تقلق عليه بعد اليوم . قتلتهما وقد أقبلا عليك في فتوتهما . عشرون عامًا أيها المغفل دفنتها في تربيتهما على الحقد الذي ألتهمك وحصد رأس طفليك .. وأنت ترى !. تشاهد كل شيء، أرجوحتهما ما تزال ساكنة في فناء المنزل ، خاوية من أي طفل ، سكن الأشباح بيتك واختفى صوت مجدالدين ! . من سيُغضبك بعد اليوم لأنه تأخر في بيت صديقه ، من سيخشاك لأنك قبضت عليه يُدخن عقب سيجارة قديم ؟

..

قُل أيها القرد ..

ما الذي قلته لهما ليذهبا إلى الموت ، هل ناولتهما السلاح بيدك ؟ هل ما زلت تسمع صوتهما في الهاتف ؟ هل قالا لك عن أصدقائهما القتلى الذين غادروا إلى القبر ، هل ترجاك أن تعود بهما فلا يموتا ؟. قتلت محمد قبل عام ، ثم ألحقت مجدالدين قبل شهر ! . هل رأيتهما يغادران ؟ ما الذي تقوله اليوم لأمهما ؟ . إياك أن تفكر في الإنجاب مرة أخرى ، إعبث بمائك في الحمامات العامة ، في الأزقة المظلمة ، لا تقترب من امرأتك ، لأنها تكرهك ، وإن فعلت ستبقى على رصيف العمر منتظرًا عشرين عامًا أخرى وقد تموت بعضة قرد قبل أن تحتفل بعقد قرانهم ؟ .. ستموت محسورًا بلا حفيد .

..

مُت أيها البشع ..

أنت ميت في مكانك فلا تكابر ، ضحل في داخلك ، فما تفعله أنت ، ويمارسه الهاشميون اليوم بحق أبنائهم يتجاوز الجريمة إلى الإبادة الجماعية ، الإنتحار من أجل السلطة ، الفناء بحثًا عن أفضلية العرق المقدس ، الموت في سبيل لقب ! . يجب أن يمنعهم العالم من قتل عيالهم بأيديهم ، كل القوانين تحرم أن يعيش الطفل في بيئة موبوءة بالكراهية ، تمنع انحرافات الآباء الذهنية عن تلقين أطفالهم هوس السلالة الذهبية .  إنه العار الذي يحاولون محوه بالألقاب . وما الذي ستجنيه يا "عبدالله النعمي" بدرع من نحاس . هل ستوقظه في الفجر وتذهب به إلى الصلاة ثم تنتظر حتى يتسامق الدرع ليُقبل جبينك ، هل ستأكل معه على مائدة واحدة وتشتري له ملابس العيد ؟ ، ما الذي ستفعله أيها الغبي ؟! ، احتضنه وانفخ فيه من روحك . تحول إلى إله ، وقل له : كن محمدًا فيكون ! ، كن مجدالدين فيكون ! . قل لذلك الدرع أن يبتسم ! . لا أدري هل أبارك لك لقب الحصول على "سيد" أم أعزيك في خسارتك صفة الأب ؟ إنها مقايضة مفُجعة . لقد دفعت من أجل ذلك اللقب التعيس أغلى ما تملك . دمًا من دمك ، وروحًا من نسلك .

..

..

..

حينما أعود سأزور نجليك وأكتب على قبرهما : هنا يرقد طفلان ذبحهما أبوهما من أجل وظيفة ، دفنهما من أجل صرخة ، في سبيل زامل .. أودى بهما إلى الفناء ليحصل على درع ! .

ولم يصل الدرع بعد ..

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص