كانت صنعاء في ذلك النهار الطويل تنتظر شيئًا ما لن يأتي، ومنقذ يتسرب من بين أصابعها وأبوابها الحصينة وجبالها التي تحتضنها بقسوة ماكرة، وكنت واقفًا على شرفة منزلي أشاهد دخانًا يتصاعد من تلة صخرية على مقربة من الفرقة الأولى مدرع، قال لي صديقي إن «الحوثيين» يفترسون صنعاء، كانت صفة «الافتراس» مفاجأة لكنها حقيقية، وصنعاء مثل غزال صريع تنهشه أنياب ضباع لا تعرف الرحمة.
وطافت بي ذكريات ذلك اليوم، كنت أرقب صفحات التواصل الاجتماعي بعين، وعين على صنعاء وقد أصبحت ثقيلة، بطيئة، فيما يصطدم الناس ببعضهم، يهرولون من الفاجعة إلى الجحيم الذي ينتظرهم، في ذلك اليوم كان «حسن زيد» يتراقص في فناء دار الرئاسة بانتظار وفد الحوثيين وقد افترسوا صنعاء من أول شارع إلى آخره، كان الجبناء حوله من القادة والوزراء ينتظرون كلمة الحوثي فيهم، وكان «حسن» بينهم يحذر من أي تجاوز للاتفاق المنتظر الذي يرعاه «جمال بنعمر».
سُلِّمت الدولة، واختطفت صنعاء، وهرول «حسن» إلى مقر الفرقة الأولى مدرع حاملاً سلاحه الرشاش، ينثر الصور على «فيس بوك» يغيظ بها خصومه، قائلًا: لقد عُدنا!.
ويومئذ قُتِل «علي عبدالله صالح» سُر الرجل كثيف اللحية، وكان قد تعهد بحشد الشباب والرياضيين إلى جبهات القتال، وبعد عامين قُتِل «حسن زيد»، وقد تنامت العاطفة الانتقائية لدى جمهور من المشردين بسببه، وطفقوا يبلغون عائلته أحر تعازيهم، كانت في حدها الأعلى محاولة لإظهار كرم غير معتاد لرجل لم يكن يتوانى عن إظهار نشاطاته المحمومة نحو قتل كل أعداء الحوثيين الذين يعترف بلسانه أنه جزء منهم، بل عضو بائن في حكومتهم الانقلابية.
ثمة وزير في الشرعية ينادي اليوم بالسلام، فيما القصر الجمهوري بصنعاء مغتصب بيد خصومه الذين نفوه خارجها، وقد كان هذا الوزير نائحًا على «حسن زيد» أعظم من أمه التي أنجبته، ومثله آخر، تقررت المحاصصة السياسية الأخيرة تجاهله في المناصب الحكومية الجديدة، فأطلق قنبلة مخبوءة بين أضلاعه المرتعشة، قائلاً: إن الحوثيين يملكون أخلاقًا!.
ومرة أخرى تمر هذه النوازع البشرية البليدة بعيدًا عن المحاسبة ممن هم أعلى منهم، كان على الرئيس عبدربه منصور هادي أن يجثو على هذين الوزيرين ويتصرف معهما كما كان يفعل غيره من المحاربين القدامى، لكن لا أحد يكترث لهذا الأمر، وهذه الألفاظ التي تصدر عن قيادات كبرى في شرعية تقاتل بآلاف الأبطال لتسترد سلطتها المختطفة بمناطق الاحتلال الفارسي.
يحتاج اليمن إلى قيادات أكثر جرأة في مناقشة مثل هذه الأطروحات التي لا يمكن وصفها بأقل من أنها «أنانية فجة»، لكن لا أحد يبدو ظاهرًا على السطح ليتحدث بحزم كما يفعل أبطال الجيش في ميادين الشرف للذود عن حياض أمة تتسلل من وراء كثبانها أيادٍ فارسية عديدة تعبث بها، لكنهم يقاومون ببسالة وفداء، ويقطعون كل يد، وليتنا نجد سياسيين يقاربون هؤلاء المغاوير في القوة، والطموح، فإن على الجيش إيقاف هؤلاء السياسيين الذين باتوا اليوم يُغازلون الحوثي، بل عليه أن يحسم ظهره المفتوح لكلمات كالطعنات يمررها بعض السياسيين المتلاعبين خلسة وخسة، وذلك ما يجب أن يحدث.
.. وإلى لقاء يتجدد.
- المقالات
- حوارات