بالأمس زرت المناضل وقائد عملية تحرير حضرموت خالد محمد عبدالعزيز، الذي يعالج في مستشفيات مصر الحبيبة، تذكرت أنه آخر من يحضرنا اليوم من وفد الاستقلال المفاوض، الذي ترأسه المناضل الكبير الرئيس الأسبق قحطان محمد الشعبي، الأمين العام للجبهة القومية، وأول رؤساء الجنوب اليمني، كان خالد عبدالعزيز عضوًا بارزًا في القيادة العامة واللجنة التنفيذية. وترأس بعد ذلك لجنة الانتخابات العليا، وله إسهامات وطنية أخرى.
لخالد ورفاقه فضل التخطيط والتدبير والقيادة لفرض سلطة الثورة دون إراقة دماء في حضرموت. وهو ما فعله بذات المستوى من الفعل المسالم قيادات الجبهة القومية في المهرة، وهم من أبنائها، لقد تجنبت الجبهة القومية نقل تجربة الكفاح المسلح إلى حضرموت والمهرة، فقد كان الوجود البريطاني فيهما محدودًا، نظرًا لانسحاب البريطانيين منهما مبكرًا، واكتفت بالنضال السلمي وسيلة للتحرير، وعند ساعة الحسم في سبتمبر وأكتوبر من عام الاستقلال كانت النتائج مبهرة سلميًا، ربما ساعد على ذلك وعي القيادة والمجتمع والسلاطين أنفسهم خاصة وقد جنحوا جميعًا للسلم، وهي تجربة وحدث يستحقان الدراسة.
سألته إن كان قد أنجز مذكراته، قال أنه بصدد كتابتها، فهي إن كتبت سوف تلقي بعض الضوء على تاريخ الثورة، وأحداث تلك المرحلة، وما كان يدور من مناقشات في الهرم الأعلى لقيادة الجبهة القومية، حادة أحيانًا، ودية أحيانًا أخرى، صاحبة السلطة المطلقة في الجنوب اليمني، وما يتخذ فيها من قرارات، بل ربما تعطينا أسبابًا نفسر بها بعض ما يحدث في بلدنا اليوم.
نحن نحتاج إلى هذا النوع من الكتابات التاريخية، التي تمنحنا شهادة مباشرة لأحداث المرحلة، كما نحتاج إلى أن نستعيد سيرة المناضلين الذين اختزلوا في حياتهم عصارة التجربة، فتلك الطليعة من الشباب المشحونين بالأفكار والعواطف الوطنية والقومية غيرت مجرى التاريخ في بلادنا، كما أننا نستطيع البحث والدراسة فيهما بعمق أشمل وبموضوعية دون تحيز، لبعدها النسبي عن حاضرنا.
لازالت ذاكرة خالد عبدالعزيز حية متقدة، أعاد لي التذكير برفاقه في الوفد الرسمي المفاوض، قحطان الشعبي وفيصل عبداللطيف وخالد عبدالعزيز وسيف الضالعي وعبدالفتاح إسماعيل ومحمد أحمد البيشي وعبدالله صالح سبعة، وقال أن ذلك كان ترتيبهم في الوفد، وإذا أمعنا النظر قليلًا في تركيبة الوفد فإننا نصل إلى انطباع يدل على أن نضجًا سياسيًا كان حاضرًا لدى قيادة الجبهة عند اختيار الوفد. حرب الاستقلال كانت هي الحرب الوحيدة العادلة في جنوب اليمن، كما كان يردد هذه العبارة الشهيد جارالله عمر رحمه الله.
لقد منحت الثورة في الجنوب شعبنا الاستقلال والسيادة على أرضه، وكانت الخطوة الأولى على طريق الوحدة اليمنية. يكفي هذه الثورة فخرًا أنها وحدت 23 سلطنة ومشيخة وإمارة، في دولة واحدة، وأحيت هوية الجنوب الوطنية اليمنية التي حاول الوجود الإستعماري طمرها ووأدها، لكنه لم يتمكن لجذورها العميقة في الجنوب، في جغرافيته ولغته، وديانته، وثقافته، ومصالحه المشتركة مع إخوته في الشطر الشمالي من الوطن، تركت خالد معاتبًا نفسي ورفاقي لأننا لم نفعل الكثير لهذا الجيل المؤسس والقائد مما يستحقه، وهم كثر في محافظات البلاد المختلفة.
- المقالات
- حوارات