علي أحمد قلي
مساحةُ جمال أوسع من حدود التعبير
الساعة 02:46 مساءاً
علي أحمد قلي

  

في المرتع المشتهى (بشراك يا قلمي)

نهرٌ من الشعر بين النيل والهرمِ.  

بهذا المطلع استهللت قصيدتي التي أسميتها (في بلاط الأمير) مشاركاً بها بكل سعادة وفخر في افتتاح مهرجان الشعر العربي والفنون الذي استضافت العاصمة المصرية القاهرة نسخته الرابعة تحت مسمى دورة أمير الشعراء أحمد شوقي بحضور عربي جميل. 

القصيدة على وزن وقافية رائعة شوقي (ريم على القاع بين البان والعلمِ) وإن لم تكن لترق أبداً إلى مستواها إلا أنها كانت استحضاراً لعظمة شوقي وروحه المحلقة في سماء الشعر وخلوده في عالم الأدب وحكمته التي كان يطرز بها قصائده مهما كانت اغراضها. 

(شوقي) يطوفُ بياناً حكمةً صوراً 

ملء الزمان سيحيا ملء كل فمِ.  

أما جملة (بشراك يا قلمي) الموضوعة بين قوسين في البيت الأول فلها قصة يعرفها الشعراء اليمنيون وهي أن الشاعر اليمني الكبير محمد محمود الزبيري المعروف بأبي الأحرار زار مصر وأنشد قصيدةً أمام عميد الأدب العربي طه حسين قال في مطلعها:

بشراك يا قلمي فهذا منهلٌ 

صافٍ وأنت كما علمتك صادِ. 

فنالت إعجاب العميد ومن حوله، فإن كان الزبيري ألقى قصيدته في حضرة طه حسين، فقد ألقيت قصيدتي في حضرة روح شاعرٍ كبير هو أمير الشعراء وفي أرضٍ عزيزة هي موطن للثقافة والعلم والأدب بين النيل والهرم، تحضر في قصيدتي مصر بأرضها وشعبها وتاريخها العريق كما يحضر الزبيري وشوقي والأصدقاء والصديقات وكل ذلك كثافة ماتعة من العظمة وجرعة نفسية كبيرة تعبر بي لسنوات. 

الجميل هنا ليس القصيدة المتواضعة التي ألقيتها أو حتى قصائدي الأخريات التي تشرفت باستماع الحاضرين لها في التظاهرة الساحرة، فقد أبدع الشعراء المشاركون قصائد أكثر شعرية وشاعريةً منها ولكن الجميل هو معرفة وصداقة المشاركين القادمين من عدة دول عربية ومن بيئات ثقافية متنوعة فيها من الثراء والخصوبة والتنوع المعرفي والأسلوبي الكثير والوفير ما أكسب المهرجان جمالاً وألقاً لا أستطيع ايفاءه حقه من الوصف مهما حاولت، عدا عن الروح الجميلة التي يتمتع بها الجميع والتي طغت على كل شيء وتركت في نفسي أثراً طيباً وانطباعاً حسناً سيصحبني ما تبقى من عمري. 

إذن هو حضور عربي فاعلٌ وأنيق، دالٌ بكل المعاني على الوحدة العربية الراسخة في نفوس الشعوب التي تحمل همّ كل شبر في الأراضي العربية ابتداءً من قضية فلسطين مروراً بالعراق وسوريا واليمن ولبنان وغيرها من الأقطار، لقد كانت الأماني الطيبة بحياة آمنة ومستقرة وسعيدة لكل الشعوب العربية، تعيش معنا في المهرجان نتنفسها في الأرجاء ونلمسها في نظرات الشاعرات والشعراء والمضيفين ونسمعها بين الحين والآخر على لسان هذا وهذه وتلك. 

اجتهد منظمو المهرجان كثيراً وسهروا وتعبوا ليقدموا لنا الضيافة والترحاب والمتعة والفائدة، ظهر ذلك جلياً في تحركات رئيس المهرجان الشاعر الدكتور أحمد قنديل الذي سعى حثيثاً لتوفير ما يلزم على حساب صحته وأسرته ووقته، وفي أداء الشاعرة التونسية الجميلة (شيراز جردق) مديرة المهرجان التي ظلت تتابع كل صغيرة وكبيرة وكل فرد وتقف هنا وتذهب هناك وتسمع وتحاور وتشرح وتبسط وترحب وتبتسم ولم تأل جهداً ولم تدخر من طاقتها شيئاً يُذكر، لقد سعدت كثيراً بمعرفتها وهي الشاعرة البارعة والجريئة، كما قلت لها، في اقتحام مواقع شعرية غزلية كنا نظنها حكراً على الشعراء دون الشاعرات. 

نعم شاعرات وشعراء يشكلون فريقاً منسجماً متفاهماً ينشرون ثقافة بلدانهم ومجتمعاتهم وعاداتهم وتقاليدهم وأساليب تفكيرهم وتناولهم للنصوص الشعرية من زوايا مختلفة، يفيدون ويستفيدون في النقد والأدب والتاريخ ولن أتحدث هنا عن المتعة السياحية في القاهرة على ضفاف النيل وبجوار أهرامات الجيزة فالسياحة في مصر غنية عن التعريف. 

مهرجاننا فعاليات زيارات جولات، متعةٌ بصريةٌ ومتعةٌ سمعيةٌ وبين هذا كله أفئدة تخفق بالسعادة والحب والرضا، وبلا شك كل معاني الشكر والثناء لا تفي ذلك الجمال والبهاء.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص