صالح الحكمي
الحوثيون وتطييف التعليم في اليمن (تفخيخ عقول الأجيال)
الساعة 01:43 مساءاً
صالح الحكمي

    

منذ انقلاب مليشيا الحوثي على الحكومة الشرعية في اليمن عام 2014، بدأت الجماعة في تنفيذ سياسات متسارعة وممنهجة تهدف إلى تغيير الهوية الوطنية لليمنيين، وكان التعليم أحد أبرز المجالات التي طالتها هذه السياسات. حيث عمدت المليشيا الحوثية إلى تحويل النظام التعليمي في اليمن إلى أداة لتغذية الطائفية والولاء السياسي ونشر أفكارهم المسمومة عبر التعليم، إذ قاموا بتغيير المناهج الدراسية لتمجيد أفكارهم المذهبية والعقدية المتطرفة والسياسية  وفرضها على الطلاب في كافة المراحل الدراسية. هذه السياسات الطائفية تهدف إلى زرع أفكارهم ومعتقداتهم في الأجيال القادمة، وتدمير الهوية الوطنية اليمانية الجامعة. 

في إطار محاولاتها لتغيير بنية المجتمع اليمني، قامت مليشيا الحوثي بتعديل المناهج الدراسية بشكل ينسجم مع ما تؤمن به. فمن خلال إعادة كتابة وتأليف الكتب المدرسية، عملت الجماعة على إدخال مفاهيم متطرفة تهدف إلى غسل عقول الطلاب، وتوجيههم نحو تبني هذه الأفكار. على سبيل المثال، تم تضمين العديد من الكتب مفاهيم وعبارات تروج لمفاهيم ثورتهم المزعومة (انقلابهم) على الدولة الشرعية وعلى مؤسسات الدولة، وتمجيد زعيمهم عبدالملك الحوثي وكذلك الهالك حسين الحوثي، إضافة إلى تعزيز الأفكار التي تدعو إلى إعلاء شأن إيران واعتبارها نموذجاً يجب اتباعه.   عصابة الحوثي لم تتوقف عند هذا الحد، بل أضافت دروساً خاصة تتضمن الولاء لمرجعياتهم وأهمية الجهاد والقتال في صفوفهم وفق معتقداتهم، هذه المحاولات تهدف بشكل رئيسي إلى خلق جيل من الشباب والنشء الذين يرتبطون بمفاهيم الولاء المذهبي بدلاً من الانتماء الوطني.

وعلى الرغم من الرفض الشعبي، استمرت الجماعة في إدخال مواد طائفية بشكل تدريجي في كافة مراحل التعليم، بدءاً من المدارس الابتدائية وحتى الجامعات.   إضافة إلى التغييرات التي فرضوها على المناهج الدراسية، فرض الحوثيون دورات تدريبية إلزامية على المعلمين والطلاب. هذه الدورات تهدف إلى تعليم المعلمين كيفية تدريس أفكار التطرف والإرهاب الحوثية الجديدة وكيفية إيصال تلك الأفكار إلى الطلاب بأسلوب موجه. في هذه الدورات، يتم تعليم المعلمين كيفية ترويج مفاهيم الحركة الحوثية داخل الصفوف الدراسية، بما في ذلك مفاهيم الولاء المطلق للجماعة ولزعيمها ولمن يوالون عقدياً وسياسياً، و المعركة ضد ما يسمونه العدوان، أي التحريض على العنف ضد كل من يخالفهم. 

على مستوى الطلاب، فإنهم يمارسون عمليات الإجبار بالقوة على حضور دورات يسمونها (ثقافية) وورش عمل تنقل نفس الأفكار الطائفية، تهدف إلى تعزيز الانتماء للمشروع الحوثي وتعزيز الفكر الثوري بشكل متسق مع أهداف الجماعة. هذه الدورات تفرض على الطلاب وتعتبر إلزامية. فضلا عن الحملات التحريضية المستمرة التي تستهدف تأجيج الكراهية بين الطلاب، حيث لم تقتصر الفكرة على التلقين، بل أصبحت أداة لزرع التفرقة بين مختلف المكونات الاجتماعية في اليمن.   

ما دفعني لتناول هذا الموضوع هي الصورة التي تم تداولها خلال الأيام الماضية للقيادي الحوثي المدعو عبدالفتاح غلاب وهو واقف يلقي محاضرته في جامعة إب متمنطقاً سلاحه وعلى يمينه رئيس الجامعة وأمامه عدد من الأكاديميات والمعلمات والطالبات. المشهد أثار استياءً واسعاً، كونه جمع بين المتضادات في صورة واحدة، كتلة الجهل وأفكار التطرف والرجعية والإرهاب تقف بكل صلافة تحاضر أكاديميات وجامعيات! حقاً إنها صورة العام الجديد، لكنها الحقيقة والواقع الجاثم في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي وتعد نموذجاً من النماذج التي تقدمها هذه الجماعة الرجعية هناك وانعكاساً لسياسات التخلف والتطرف الفكري والتشدد العسكري المليشياوي التي يفرضها الحوثيون على المؤسسات التعليمية وعلى كل ما كان تحت سلطتهم. وليس مستغرباً هذا التصرف من هذه الجماعة بل إنه لا يعكس فقط فكراً متطرفاً، بل يتسق مع استراتيجيات العسكرة التي يعمد الحوثيون إلى فرضها على كل المجالات، بما فيها التعليم. إن مثل هذه المشاهد تعكس محاولة الحوثيين استغلال الجامعات كمراكز لتمرير أيديولوجياتهم الطائفية، بدلًا من أن تكون مراكز علمية تثقيفية مستقلة. 

والأهم من ذلك، أن هذا المشهد يعكس مدى الجهل الذي يتجسد في طريقة إدارة الحوثيين للمؤسسات التعليمية. كيف لشخص مثل غلاب وأمثاله، الذي لا يفهم إلا لغة القتل والتدمير أن يقف أمام أكاديميين، دكاترة، وبروفيسورات من المفترض أن يقودوا العقول ويرسخوا المعرفة في قلوب الشباب؟ فإلى جانب الجهل الفكري الذي يظهره غلاب وجماعته، يبرز استهتار المليشيا الحوثية بمؤسسات الدولة والتعليم. وكيف لشخص لا يملك من العلم سوى فكرة القتل أن يقدم محاضرة أكاديمية في أروقة الجامعات واقفاً في مواجهة وقحة مع القدرات العلمية والفكرية لأكاديميين تم تدمير أفقهم وتعليمهم تحت وطأة هذه الفئة الجاهلة!؟حقاً إن هذه الصورة لوحدها كافية أن يقوم اليمنيون بألف ثورة لاقتلاع هذه الجماعة وتخليص الأجيال من الألغام التي تزرعها وتفخخ بها مستقبل اليمن أرضاً وإنساناً.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص