أتابع منذ أيام كثيرا من المنشورات لنخبة مستنيرة من الشباب، وبعضهم قيادات وسطية في الدولة، محسوبة على المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح، وكلاهما من المؤمنين بالشرعية والمدافعين عنها، والواقفين وقوف الأبطال ضد الانقلاب الحوثي، وهو ما ساءني أكثر حين أرى هذا الشرخ يتعمق يوما بعد يوم بين أبناء الفريق الواحد.
نعم.. ثمة منشورات على صفحات التواصل الاجتماعي بلغت حد التخوين والتجريح، وأثرت ــ فيما أعرف ــ حتى على مستوى العلاقات الشخصية بين الأصدقاء والزملاء، فيما الجميع صادقون، ووطنيون، ويدفعون معا ضريبة نضالهم وشرف موقفهم من حياتهم، وهما معا واقفان على أرضية واحدة، مشردين.. محرومين من وطنهم.. مفصولين من وظائفهم.. خائفين كخوف موسى من عدو يتربص بهم جميعا.. ومع هذا يختلفون حد التصارم والتخوين لبعضهم البعض..!
يا قوم ما ذا دهاكم؟؟!!
العدو يتربص بكم الدوائر جميعا.. العدو يقف لكم جميعا خلف الباب..!
الذي اختطف المناضل محمد قحطان واعتقله ظلما إلى اليوم هو نفسه الذي صوب رصاصات الحقد الأزلي على جمجمة علي عبدالله صالح وشقها نصفين..!
الذي أخرج الزعيم المؤتمري الشيخ سلطان البركاني من وطنه وبيته، هو نفسه الذي أخرج الزعيم الإصلاحي محمد اليدومي ورفاقه..
سجون صنعاء اليوم تمتلئ بالإصلاحيين والمؤتمريين الشرفاء على حد سواء..!
رفاقنا المناضلين جيمعا.. مثلما الشيخ صادق أمين أبو راس لا يمثل المؤتمر، الشيخ عبدالله العديني أيضا لا يمثل الإصلاح. فلا تلتفتوا جميعا لما شذ من المواقف الناتئة.
نعرف جميعا أنه بقدر ما ثبتت قامات سامقة في صف الوطن والشرعية والجمهورية وسبتمبر المعظم من كلا الحزبين على حد سواء، أيضا بالمقابل سقطت هامات وقامات كنا نحسبها كذلك من الطرفين في وحل الخيانة، وإن لم تستحق ــ في الواقع ــ لقب هامات أو قامات؛ لكن لنقل معا، وبروح المسؤولية التاريخية والضمير الوطني: كل من خان الجمهورية وسبتمبر والوطن لا يمثلنا أبدا، مؤتمريا كان أم إصلاحيا..
لا يستطيع أي منصف أبدا أن ينكر دماء شباب الإصلاح التي تسفح على مختلف الجبهات، وقد وصلوا بالآلاف على امتداد ربوع الوطن، وبالمقابل أيضا لن يستطيع أي منصف أيضا أن ينكر الوقفة الأخيرة والبطولية لرئيس المؤتمر الشعبي العام الذي مات ميتة يمنية، داخل منزله مدافعا عن عرضه وماله ونفسه، ومعه رفيق دربه الشيخ عارف الزوكا، كما لن ينسى أحد المئات من قيادة المؤتمر الشعبي العام الذين اعتقلتهم سلالة الدجل والكهنوت البغيض.
المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح رئتا اليمن النابضة بالحياة، فحين توحدا عز اليمن، وحين اختلفا أهين اليمن..! هل تدركون ذلك وأنتم اليوم تتهارشون في الجحيم معا؟!
شخصيا أتناسى اليوم "أحيانا" أني أنتمي إلى المؤتمر الشعبي العام، معلنا انتمائي إلى اليمن الأعظم، حتى تستقيم الحياة، فأتراجع خطوة إلى الوراء متحوصلا داخل حزبي؛ أما اليوم فالتحوصل لا يكون إلا داخل الوطن. أبحثُ عن بصيص ضوء هنا وهناك، أسند به جذوتي المتوقدة باتجاه البحث عن وطن مخطوف، أبحث عمن يشد أزري ويقوي عضدي من أي حزب كان لأستعيد ذاتي وكينونتي الغائبة باستعادة وطني..! فرجائي كل رجائي لا يطفئ كل منا جذوة أخيه المتوقدة، متوهما أن جذوته وحده هي الضوء الكافي..!
اليوم حزبنا جميعا هو الوطن، ومن يفكر بغير ذلك فجاهل وواهم وغِر..!
تأكدوا أن اختلاف الفريق الواحد قبل الوصول إلى الهدف يحول دون الوصول إلى الهدف. وهدفنا اليوم جميعا هو استعادة الدولة.. استعادة الوطن المخطوف..
وتأكدوا أن أي خلاف بينكما ــ مهما جل ــ هو صدوع وشقوق في جسد الجدار الذي نستند إليه جميعا. ومن بين هذه الشقوق ستتسلل الحيات والعقارب والهوام. وقد تسللت بالفعل.
رفاقنا الأعزاء.. كونوا كبارا بحجم الألم.. متحدين بحجم المرارات التي تجمعنا معا.. كونوا يدا واحدا مقابل أيادي المكر والخيانة التي تسعى للبطش بنا جميعا، وبلا رحمة.. القضية الوطنية الجامعة لا تتحمل اليوم ثقب إبرة واحدة، فما بالكم بصدوع وشقوق وفجاج ومغارات تستزرعونها بجهل يوما بعد يوم؟!
أيها الرفاق يبدو أننا لم نستفد من تاريخنا القريب والمعاصر، ولم ندرك بيقين الثوري واستبصار الفيلسوف أن أكبر خطأ ارتكبه آباؤنا الثوار عقب ثورة 62م هو اختلاف الفريق الواحد الذي سبب لنا الكوارث بعد ذلك، وها نحن اليوم نجني ثمار الخلل الذي ارتكبه ثوار سبتمبر فيما بينهم على الرغم من صدقهم لقضيتهم..! فلا نكرر المأساة لنجني على أبنائنا في الغد، كما جنى علينا آباؤنا بالأمس..!
أكتب هذا للجميع بدم القلب المهيض.. بدمع العين السخين، بحسرة وأسىً لما آل إليه حالنا، وقد أصبحنا مشردين جميعا بلا وطن، تعترينا المهانة والمذلة في الداخل والخارج، يتنكر لنا الصديق قبل العدو، وقد كنا قبل اليوم ملوكا وأمراء في وطننا دون أن ندري..
أيها الرفاق: النصر صبر ساعة، فهل ستكف أقلامنا وصفحاتنا عن المهاترات اللامسؤولة تجاه بعضنا البعض؟! وهل نستطيع تجاوز الهنات الهينات ونحن بصدد المهمة الأعظم في تاريخنا؟ هل سنكبر على الجراح، ونتسامى فوق الألم؟
تذكروا:
إذا احتربت يوما وسالت دماؤها تذكرت القربى فسالت دموعها.
- المقالات
- حوارات