تسليح المقاتلين.. خطوة اليمين المتطرف المسيحي لخلق إرهاب جديد
الميثاق نيوز - تقرير - حين صعدت الأحزاب اليمينية المتطرفة إلى سدة الحكم في عدة دول أوروبية وغربية، بفضل تراجع زخم الليبرالية الديمقراطية ووصولها إلى طريق مسدود، حذّرت عدة قراءات من بداية دخول العالم في منعطف خطير تقوده أطراف شعبوية تبني كل خطاباتها على شعارات الحقد والكراهية، لكن البعض اعتبر أن الترويج لذلك لا يخرج في سياقاته عن تنافس سياسي محموم بين اليمين المتطرف والأحزاب الليبرالية، لتأتي فاجعة المسجدين بنيوزيلندا وتؤكّد أن ناقوس الخطر قد دق وأن العالم مهدد فعلا بالدخول في مرحلة فوضى قد يهاجر فيها إرهاب داعش والجماعات الإسلامية إلى الأحزاب الغربية الشعبوية. كل هذه البوادر كشفها مؤخرا تقرير للاستخبارات البلجيكية بتأكيده أن اليمين المتطرف بدأ يجهّز جماعات مسلحة بطرق غير قانونية.
كشف تقرير للاستخبارات البلجيكية أن اليمين المتطرف في أوروبا الغربية بدأ بتغيير نمط أنشطته، وأن قيادات بعض مجموعاته المتطرفة بدأت تأمر عناصرها بالتدرّب على الرماية وحيازة أسلحة بطرق قانونية أو غير قانونية. وأكد التقرير، الذي سمحت الاستخبارات البلجيكية للرأي العام بالوصول إليه، وجود اليمين المتطرف ببلجيكا وبقية دول غرب أوروبا.
هذا المعطى الخطير يأتي تزامنا مع ما فرضته عدة متغيرات سادت العالم في الأشهر الأخيرة -من قبيل اقتراب نهاية داعش في سوريا أو تصاعد النبرة الشعبوية للأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا والغرب وما رافقها من كارثة المسجدين في نيوزيلندا- من وجوب التطرق إلى الخطوات المحفوفة بالمخاطر التي يسير بها العالم، خاصة أن ذلك يتزامن مع ثبوت حقيقة أن النظام العالمي الحالي بات مُنهكا.
الجدل الجديد حول شكل وبنية النظام العالمي الجديد والذي بدا قائما على شعار “حضارتي أولا”، بمعنى أن الحروب المقبلة ستكون حاملة لمسوغات دينية وعرقية، غير اقتصادية بحتة مثلما دأب العالم على ذلك طيلة عقود، أكدّه بالفعل الهجوم على المسجدين في نيوزيلندا رغم تعالي التحذيرات من تفشي خطابات الأحزاب اليمينية المتطرفة التي غزت أوروبا والعالم في السنوات الأخيرة.
واستهدف، هجوم دموي مسجدين في “كرايست تشيرتش” النيوزيلندية، قتل فيه 50 شخصا أثناء تأديتهم الصلاة، وأصيب 50 آخرون. لم يعد من قبيل التخمين فقط التحذير من خطورة خطابات الأحزاب الغربية المتطرفة على أمن العالم، بعد كل ما كشفه تقرير الاستخبارات البلجيكية من خطوات التسلح لدى جماعات اليمين المتطرف.
ويلفت التقرير إلى أن أنصار اليمين المتطرف لا يخفون إعجابهم بالنازية، وأنهم يتبنون العنف، مشيرا إلى أن معاداة الإسلام والمهاجرين أصبحت من أهم المواضيع على أجندة الأوساط المتطرفة منذ أزمة المهاجرين في 2015 و2016. وأوضح التقرير أن المجموعات المدنية مثل حركة “جنود أودين”، التي تتخذ من فنلندا مركزا لها، هي نموذج للمجموعات اليمينية المتطرفة.
على طريقة داعش
هذه التحولات التي توحي بأن العالم سيجد نفسه في ورطة إرهاب جديد، بعدما اقترب من التخلص من الجماعات الإسلامية المتطرفة على الأقل ميدانيا وعسكريا خاصة في معاقله الكبرى كسوريا والعراق، تستدعي الوقوف عند الأسباب لتبني مثل هذه الخطابات العنصرية التي لم تأت من فراغ بل إنها تعد نتاجا لما تنتهجه عدة شخصيات سياسية بارزة وقادة رأي في العالم من نظريات جديدة تؤسس حتما لصراع مستقبلي جوهره الأساسي “البقاء لحضارتي”.
ويقول المحلل السياسي الأميركي جيمس دورسي بشأن هذه التبدّلات إن “الهجوم على مسجدين في نيوزيلندا يؤكد تآكل القيم الليبرالية وصعود قيم دولة
الحضارة على حساب الدولة القومية”.ويضيف أن العالم يشهد زيادة في الظواهر الناتجة عن رهاب الإسلام -أو ما يسمى بالإسلاموفوبيا- الذي أصبح منتشرا على نطاق واسع ومتجليا في عدة ممارسات مثل القمع الذي تعاني منه فئة الإيغور المسلمة في شينجيانغ الصينية.
ويشدد على أن عوامل أخرى مثل معاداة السامية تغذي هذه الظاهرة، عبر زيادة التعصب والعنصرية التي يمكّنها زعماء اليمين المتطرف في العالم، وكذلك المحافظون المتشددون والجهاديون.
ويبني هؤلاء القادة الأيديولوجيون المتطرفون سياساتهم ووجهات نظرهم على حجج الدفاع عن دولة الحضارة بدلا من وضعها على أسس دولة قومية.
صراع الأديان
أفراد عصابات الشوارع المنظمة في نيوزيلندا تعهدوا بحراسة المساجد في البلاد حيث شارك المسلمون في صلاة الجمعة الأولى منذ مذبحة كرايست تشيرش
كل تأثيرات القادة الشعبويين على مناصري اليمين المتطرف، لم يغفل عن ذكرها تقرير الاستخبارات البلجيكية، الذي وصف الشكل الجديد لليمين المتطرف بـ”اليمين المتطرف ذي الياقة البيضاء”.
وقدم التقرير حركة “جيل الهوية” في فرنسا وحركة “جيل الهوية الألمانية” باعتبارهما من أبرز نماذج اليمين المتطرف ذي الياقة البيضاء، لافتا إلى أن هاتين الحركتين تحاولان لفت الأنظار إليهما عبر الإعلام، وتدافعان عن “الهوية المسيحية لأوروبا”.
وأفاد التقرير أيضا بأن الاستخبارات البلجيكية تترقب مجموعة “الدروع والأصدقاء” اليمينية المتطرفة في بلجيكا، مبينا أن المجموعة تخاطب فئات مختلفة في المجتمع بمن فيها “اليمين المحافظ” وغير الداعمين للعنف، بالإضافة إلى داعمي العنصرية والنازية.
رغم أن ظاهرة الهجمات العنيفة التي يقودها متطرفون غربيون لا تعد جديدة، حيث سبق أن حدثت فواجع شبيهة بما حصل في نيوزيلندا، فإن اللافت للانتباه يكمن في أن هذه الجماعات المسيحية المتطرفة باتت تنتهج نفس خطوات الجماعات الإسلامية وخاصة تنظيم داعش في علاقة بأشكال تنظمها أو تجهيز مقاتليها المستقبليين بتدريبهم على استعمال الأسلحة.
وتتصاعد وفق التقرير البلجيكي ميول التسلح عند اليمين المتطرف في أوروبا، حيث بدأت قيادات بعض المجموعات المتطرفة في أوروبا الغربية تطالب عناصرها بـ”تلقي تدريبات في الرماية، وحيازة أسلحة بطرق قانونية أو غير قانونية”.
ولفت إلى أن اليمين المتطرف يدعي أن سبب تسلحه هو أن “الصراع الاجتماعي بين الإسلام وأوروبا المسيحية أصبح أمرًا لا مفر منه وعليهم الاستعداد لذلك”. وذكر أن وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت صعدت من خطابات اليمين المتطرف، وباتت وسائط مهمة في الدعاية وكسب المؤيدين الجدد، مشيرا إلى أن بعض رسائل المجموعات المتطرفة على موقع فيسبوك تحصد إعجابات كثيرة.
ومع تفشي هذه الظاهر المتطرفة في أوروبا، تطرح العديد من الأسئلة حول الوسائل التي تعتمدها هذه الجماعات لاستقطاب الشباب وجعله يتبنى أيديولوجيا قائمة بالأساس على معاداة الإسلام والاستعداد للقتال ضده في أي مكان في العالم.
وبخلاف الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، تقول النائبة المستقلة في البرلمان البلجيكي ماهينور أوزدمير، إن أصحاب الياقات البيضاء الذين يتم الحديث عنهم في اليمين المتطرف يتألفون من خريجي جامعات وشباب يشبهون في ملبسهم، النازيين الجدد.
وذكرت أن هؤلاء تبرز لديهم خطابات الهوية، مضيفة أن “العنصرية وصلت إلى درجة مختلفة عن العنصرية التقليدية. ومع الأسف هناك مؤيدون لها، يبرزون خطابات مثل المسيحية والفلمنكية الأصلية”.
وشددت على أن الفئات المتطرفة في بلجيكا تتحدث بلغة الشعب وليس السياسيين، مؤكدة أن “متوسط أعمار هؤلاء الأشخاص 22 عاما. ينظمون أنفسهم في الجامعات. وهذا يظهر مستوى الخطر”.
وأثنت أوزدمير على نشر التقرير المذكور أمام الرأي العام، إلا أنها أفادت بأن “الحكومة لا تتخذ أي تدبير” في هذا الخصوص.
تعد بلجيكا في آخر السنوات من أهم معاقل المتطرفين الإسلاميين الذين شنوا عدة هجمات إرهابية في عواصم أوروبية مثل باريس أو لندن، ويحذر المراقبون من أن تصبح بروكسل عاصمة لصراعات مسلحة بين اليمين المتطرف الأوروبي وبقايا الخلايا النائمة للجماعات الإسلامية.
إرهاب الجماعات المسيحية الذي أطلّ برأسه في دول أوروبية سيعيد بلا شك تقوية مشاعر التطرف لدى بقايا الجماعات الإسلامية
وتؤكد عدة دراسات أن ارهاب الجماعات المسيحية الذي أطلّ برأسه في دول أوروبية سيعيد بلا شك تقوية مشاعر التطرف لدى بقايا الجماعات الإسلامية خاصة أن اليمين المتطرف الغربي يركز شعاراته على معاداة المسلمين وخاصة المهاجرين واللاجئين.
كل هذه الممارسات تدعم التخلي التدريجي عن فكرة تعايش عدد كبير من الأديان والأفكار والمعتقدات على قدم المساواة، حيث يسمح صعود قيم دولة الحضارة لأشخاص مثل منفذ هجوم نيوزيلندا -الذي ينتمي إلى فئة من المسيحيين المتبنين لفكرة سيادة البيض وتفوقهم على مختلف الأعراق الأخرى-
بتبرير أعمال العنف من منظور حضاري.وتساهم عدة قيادات سياسية شعبوية في أوروبا -مثل مارين لوبن زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي أو رئيس الوزراء الإيطالي جوزبي كونتي اللذين يبنيان برامجهما السياسية على معاداة المهاجرين المسلمين- في تغذية صراع مستقبلي قد يجعل من أوروبا مهدا حقيقيا لصراع الحضارات بعدما اكتوت بذلك طيلة عقود دول عدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
أزمة مفاهيم
رغم وجود إجماع دولي على أنه لا دين للإرهاب، بعد أن حُصر مفهوم التطرف في السنوات الأخيرة عقب تفجر الوضع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الدين الاسلامي، فإن عدة دراسات تشير إلى أن التشدد أخذ انعطافة جديدة تشي بميلاد نوع جديد من الإرهاب في العالم لا يختلف عما تقدم عليه الجماعات الإسلامية من مجازر سوى في المرجعية الدينية القائمة على مغازلة مشاعر المسيحيين في عدة دول أوروبية.
كل هذا جعل على سبيل المثال في عام 2016 رئيس المخابرات الداخلية الألمانية هانز جورج ماسن، يقول إن استعداد المتطرفين اليمينيين في ألمانيا لارتكاب أعمال عنف في تزايد وإنهم يسعون حاليا إلى إقامة شبكات مع جماعات تتبنى نفس الفكر في أوروبا وفي بعض الأحيان بالولايات المتحدة.
وقال ماسن “هذه ليست ظاهرة ألمانية خالصة. التطرف اليميني يكون شبكات مترابطة على مستوى أوروبي وفي بعض الأحيان تكون له صلات في الولايات المتحدة”.
وعلاوة على أن التطورات الجديدة، تستدعي ضرورة البحث عن مقاربات أمنية ومخارج فكرية للتصدي لهذا الخطر الداهم على أمن العالم، فإن الوقت الحالي يتطلّب أيضا تحديث العديد من المفاهيم الدولية المتعارف عليها وأبرزها الإرهاب الذي ظل إلى اليوم غير متفق على تحديد مفهومه الحقيقي بل إنه عادة ما كان يحصر في هجمات عنيفة تقوم بها جماعات إسلامية متشددة.
ولكل هذا تطرح أمام المجتمع الدولي تحديات كبرى، حيث ينتظر منه أن يتخذ إجراءات ملموسة لمكافحة معاداة الإسلام.
والعنف بجميع تعريفاته ومفاهيمه ومرتكزاته الأيديولوجية، متجذر ليس فقط في أوروبا أو الغرب أو لدى المسلمين، لكن هذا لا يمنع في المقابل من وجوب طرح التساؤل حول الدوافع التي عبدت الطريق لليمين المتطرف المسيحي للظهور مجددا على الساحة.
إن الصعود الكبير الذي تحققه الجماعات اليمينية المتطرفة والأحزاب الشعبوية على وجه الخصوص في أوروبا، جاء بعد أن حققت مكاسب شعبية وانتخابية في السنوات الأخيرة، كانت لها أسباب سياسية واقتصادية وأمنية في الأساس، لا يمكن حصرها فقط في العمل الديني أو الشعور القومي، لكن جميع العوامل ترتكز على الكراهية والعداء.
هنا، تبرر الأحزاب اليمينية مختلف شعاراتها الرافضة للآخر، بزيادة أعداد المهاجرين بشكل كبير بحثا عن فرص عمل أو هربا من المشاكل السياسية في البلدان الأصلية، علاوة على تأكيد مخاوفها الأمنية من ازدياد العمليات والهجمات الإرهابية كتلك التي ضربت عواصم ومدنا أوروبية، منها لندن وباريس وبروكسل ومدن ألمانية وغيرها.
لكن كل هذه العوامل لا يمكن أن تحصر نوع الإرهاب الجديد في أوروبا في طابع ديني صرف، حيث تشير عدة تقارير إلى أن الإرهاب ليس بالضرورة أن يكون وليد وازع ديني، ففي أوروبا حصلت مجازر بسبب تحركات مجموعات سياسية واجتماعية وليس دينية.
- المقالات
- حوارات