"ترامب" يواجه أطماع الملالي باستراتيجية العقوبات.. الرؤية الأمريكية تتبنى ضرورة القضاء على نفوذ إيران في الشرق الأوسط..
الميثاق نيوز- واشنطن - تقرير - كانت السياسات الأمريكية تجاه طهران هى الموضوع الأكثر اتساقًا ووضوحًا منذ تولى الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» منصبه عام ٢٠١٧، وفى تحول استراتيجى عن سلفه «باراك أوباما»، أنهى ترامب الصفقة النووية مع طهران واستبدلها بالمواجهة المستمرة والرغبة فى تغيير النظام داخل الجمهورية الإسلامية.
ومن هنا أقر دكتور «سعد السبيعي» زميل المجلس الوطنى للعلاقات الأمريكية العربية والمتخصص فى قضايا الأمن العالمى أن أهم محاور هذه الاستراتيجية تتمثل فى ضرورة القضاء على نفوذ إيران المزعزع للاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط، وتقييد عدوانها المحتمل على مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها.
وظهر ذلك فى تصريحات وزير الخارجية الأمريكى «مايك بومبيو» عندما أوضح أن الجمهورية الإسلامية استخدمت العوائد الاقتصادية للاتفاق النووى فى تمويل الحروب بالوكالة داخل الشرق الأوسط.
وبغرض مواجهة طهران، أكد «بومبيو» أن أحد أهم محاور الاستراتيجية الأمريكية الجديدة تجاه إيران تتمحور حول فرض ضغوط مالية غير مسبوقة على الحكومة الإيرانية.
وعلى الرغم من أن العقوبات الاقتصادية تعتبر ضرورية لإحباط قدرة طهران على دعم الإرهاب، ولكن لا بد من وجود استراتيجية شاملة لإزاحة إيران من العراق، سوريا، لبنان، اليمن. فاليوم، تتجاوز أنشطة إيران الخبيثة فى المنطقة الدعم المالى السرى لبعض الجماعات الإرهابية فى المنطقة؛ فإيران موجودة بقوة فى العراق وسوريا، وتخوض حربًا بالوكالة فى اليمن، فضلًا عن تسليح وتدريب الميليشيات الشيعية فى لبنان وأجزاء أخرى من المنطقة. لكن يشير الكاتب إلى أنه لا يمكن التعامل مع التهديد الإيرانى المتطور فى المنطقة بمعزل عن عاملين مهمين؛ طبيعة التفكير الجيو – أيديولوجى الإيرانى والسياق الأمنى الذى تتوسع فيه. ومن هنا، فإن فهم السلوك التوسعى الإيراني، يتطلب أن نفهم أولًا الأساس المنطقى الإيرانى للتوسع.
فمنذ قيام الثورة الإسلامية فى إيران لعام ١٩٧٩ اعتقد ساسة النظام الإيرانى أن تصدير أسس ومبادئ الثورة ذات الطبيعة الدينية – السياسية شرط أساسى لبقائه، كما أن النمو الاقتصادى وارتفاع مستوى معيشة المواطنين لا بد أن يخضعان للتوسع الأيديولوجي.
وبالتالي، من المضلل الاعتقاد بأن النظام الإيرانى سوف يستجيب للعقوبات الاقتصادية المفروضة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية بطريقة عقلانية، بل سيحاول فى البداية الالتفاف حولها من خلال السوق السوداء والطرق غير الشرعية للتبادل الاقتصادي؛ حيث تمكنت طهران من زيادة نفوذها وبناء برنامج نووى فى ظل العقوبات المفروضة منذ عام ١٩٧٩ يدل على أولويات أجندتها السياسية، فضلًا عن قدرتها فى التغلب على العقوبات.
ومن هنا يشير الكاتب إلى أنه على الرغم من الثبات الأيديولوجى للموقف الإيراني، فإن جزءا كبيرا من هذا التوسع يرتبط بعوامل سياقية إقليمية أكثر من الجاذبية الأيديولوجية لنظام الجمهورية الإسلامية. لكن استغلت طهران واقعين متداخلين فى المنطقة: الوضع الداخلى للدول الفاشلة والتنافس الكبير بين القوى العظمى والتداخل فيما بين سياستها. وعليه، استخدمت طهران البيئات الفوضوية التى أوجدتها هذه العوامل لتعبئة الميليشيات المحلية وعبر الوطنية داخل الدول المستهدفة.
فى السياق ذاته، أتاح الغزو الأمريكى للعراق فى عام ٢٠٠٣ لإيران الفرصة للسيطرة على عدوها اللدود لفترة طويلة من الزمن؛ حيث استغل النظام الإيرانى الاحتلال الأمريكى للعراق كأداة للتوسع وممارسة الضغط الأيديولوجى لدعم التدخل.
ومن ناحية أخرى، مكنت السياسات الطائفية الأمريكية فى بغداد الجمهورية الإسلامية من تقوية هذه النزعة، ليس فقط مع الحكومات الشيعية العراقية المتعاقبة، بل مع شبكة كبيرة من الميليشيات، حارب الكثير منها القوات الأمريكية وما زالت تشكل تهديدًا كبيرًا على بغداد والمنطقة بأكملها. وعليه، تتمتع الجمهورية الإسلامية بنفوذ سياسي، اقتصادى وأيديولوجى كبير فى العراق، إلى الحد الذى جعل مسئولا إيرانيا كبيرا يقر بأنها بمثابة قناة ثانية بالنسبة لطهران لتجاوز العقوبات الأمريكية الجائرة.
وقدم الربيع العربى فى عام ٢٠١١ فرصة ذهبية لطهران للتوسع فى دول أخرى؛ حيث توافرت كل الظروف التى سمحت لها بالتوسع فى العراق داخل سوريا بما يتضمن تدخلات القوى الكبرى، حكومة ضعيفة غير قادرة على السيطرة، الفوضى الناجمة عن الحرب الأهلية فى دمشق. بل كانت الديناميات مواتية للعمل داخل سوريا أكثر من العراق، على خلفية الدعم الروسى للوجود الإيرانى فى دمشق، فبينما انصب اهتمام موسكو على الجانب التقليدى للحرب، استطاعت طهران الذهاب إلى أبعد من ذلك من خلال اللعب على الوتر الأيديولوجى ودعوة المقاتلين الشيعة من جميع أنحاء العالم لحماية المواقع الدينية الشيعية فى سوريا؛ حيث ساعد هذا النوع من التعبئة طهران على إنشاء شبكة من الميليشيات المتعصبة التى ستشكل البيئة الأيديولوجية والأمنية فى سوريا لعدة سنوات قادمة. فلم يشجع تراجع النفوذ الأمريكى فى سوريا طهران على زيادة نفوذها فى دمشق فحسب، بل على زيادة تواجد وكلائها فى أماكن أخرى من المنطقة مثل: الحوثيين فى اليمن.
فمن خلال الدعم الإيرانى بات الحوثيون بمثابة أول ميليشيا تمتلك قدرات صاروخية باليستية يمكنها تهديد المنطقة بأكملها. فبعد تمرد الحوثيين ضد الحكومة اليمنية المنتخبة فى عام ٢٠١٥ دعمت كل من الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة وفرنسا التحالف العربى بقيادة المملكة العربية السعودية لاستعادة النظام فى اليمن، ولكن بدأت واشنطن تتراجع تدريجيًا عن دعمها للتحالف العربي، على خلفية تصويت مجلس الشيوخ الأمريكى فى مارس لعام ٢٠١٩ ضد «ترامب»، فيما يتعلق بالدعم الملموس للتحالف العربى فى اليمن مطالبًا بمنع تزويد طائراته بالوقود.
وعليه، انتقد وزير الخارجية الأمريكى «مايك بومبيو» التصويت مُعقبًا بأن الطريق لتخفيف معاناة الشعب اليمنى ليس لإطالة أمد الصراع من خلال إعاقة الشركاء فى القتال، ولكن من خلال منح التحالف الذى تقوده السعودية الدعم اللازم لهزيمة المتمردين الذين تدعمهم إيران وضمان حالة من الاستقرار الدائم فى المنطقة، فضلًا عن أن سحب الدعم الأمريكى فى اليمن لا يُقوض استراتيجية «ترامب» تجاه طهران فحسب، بل يُعرض المصالح الأمريكية الحيوية فى الشرق الأوسط للخطر.
فى النهاية: يشير الكاتب إلى أن التدخل الإيرانى المزعزع للاستقرار فى المنطقة وصل إلى مستوى غير مسبوق. ومن هنا، فمن أجل أن تتراجع طهران عن مواقفها ودورها، لا بد من وجود استراتيجية أمريكية متعددة الجوانب تتجاوز الضغوط المالية، التى لا بد أن تكون جزءا أساسيا من استراتيجية أمريكية شاملة لا تتضمن سياسات فى مواجهة الجمهورية الإسلامية فحسب، بل والأهم من ذلك أن تضع معايير لبديل أفضل وأكثر موثوقية من إيران وحلفائها داخل الدول المستهدفة.
فعلى الرغم من أن السياسات الأمريكية تجاه العراق، وسوريا واليمن، تقوض استراتيجيتها تجاه إيران، لكن فك الارتباط والتقليل من دور الولايات المتحدة فى المنطقة فى هذه المرحلة لن يُسهم إلا فى توافر الظروف التى زادت من التوسع الجغرافى السياسى الإيرانى فى المقام الأول.
- المقالات
- حوارات