بعد خسارته المدن الكبرى .. أردوغان بصدد خسارة رفاق حزبه
انكماش الاقتصاد التركي ومشاكل أردوغان الخارجية تركت آثارها كما يبدو على حزب العدالة والتنمية فبدأ بعض قادته السابقين مثل داوود أوغلو وبابا جان بالخروج عن صمتهم والإشارة إلى احتمال تصدع الاتحاد المقدس وتهديد كرسي أردوغان.
بعدما خسر رئاسة بلديات المدن الرئيسية أمام المعارضة هذا العام، مثل العاصمة أنقرة وأكبر مدينة تركية اسطنبول، يواجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تحدياً جديداً يتمثّل بحلفاء قدامى يسعون إلى الانشقاق عن حزب العدالة والتنمية وتأسيس أحزابهم الخاصة.
ويبدو أن الاتحاد المقدس حول الرئيس التركي قد بدأ بالتصدع، كما تظهر الخطوات غير المسبوقة لرئيس الوزراء السابق أحمد داوود أوغلو ووزير الاقتصاد السابق علي باباجان، فقد انتقد الاثنان في الأسابيع الأخيرة توجهات تركيا تحت إدارة أردوغان. وأعطت هذه التصريحات مصداقية لشائعات لا تنفك تتصاعد، تشير إلى نية داوود أوغلو وباباجان اللذين كانا من الشخصيات الرئيسية المحيطة بأردوغان في ما مضى، تشكيل حزبيهما الخاصين لتحدي حزب العدالة والتنمية الحاكم منذ 17 عاماً.
شكلت خسارة انتخابات إسطنبول للمرة الثانية، حرجاً للرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه. وطرحت معها أسئلة عديدة: فهل سيُفتح بعد هذه الانتخابات فصل جديد في السياسة التركية؟ وهل تشكل هذه الخسارة تهديداً لأردوغان وحزبه؟ (24.06.2019)
وقام باباجان بالخطوة الأولى في الثامن من تموز/ يوليو، حيث أعلن باباجان الذي يحظى باحترام شديد في الأوساط الاقتصادية ويعزى إليه الفضل في النجاح الاقتصادي لحزب العدالة والتنمية في العقد الأول من حكمه، استقالته من الحزب، آخذاً عليه "التضحية" بالمبادئ، ومشيراً إلى الحاجة لـ"رؤية جديدة" لتركيا.
ومع بلوغ التضخم في تركيا نسبة 15,7% والانكماش 2,6% في الربع الأول من عام 2019 والبطالة 13%، يرى العديد من الأتراك أن باباجان هو الرجل القادر على إيجاد الحلول لمشاكل البلاد، ويعتبرونه البديل المناسب لأردوغان الذي تنتهي ولايته الحالية في 2023.
وبعد عشرة أيام على إعلان باباجان، خرج داوود أوغلو عن صمته المعتاد، وقام بمقابلة لأكثر من ثلاث ساعات بثت على مواقع التواصل الاجتماعي، ألمح خلالها إلى أنه هو أيضاً جاهز لتشكيل حزب جديد.
لكن أردوغان قلل من أهمية التهديد الذي يشكّله الرجلان، فيما يرى خبراء أنه لن يقف مكتوف اليدين أمام الانشقاقات.
وترى ليسل هينتز من جامعة جون هوبكينز أن أردوغان "قد يحارب كل ما يرى فيه تهديدا للهيمنة التي يجسدها". ولدعم رأيها، تذكر هينتز أمثلة احتجاز الزعيم الكردي صلاح الدين دميرتاش منذ 2016، المعارض بشدة لأردوغان، بالإضافة إلى المحاكمات الجارية لشخصيات من المجتمع المدني ومعارضين لحزب العدالة والتنمية.
وعندما غادر منصبه كرئيس للوزراء في 2016 بعد نحو عامين من توليه، تعهد داوود أوغلو بعدم انتقاد أردوغان علناً. لكن مقابلته المطولة أظهرت أنه لن يلتزم الصمت بشأن ما ينظر إليه على أنه أوجه قصور داخل العدالة والتنمية. لكن داوود أوغلو الشخصية الانقسامية بعيد عن التأكد من جر أعضاء آخرين من العدالة والتنمية، إذا اختار تأسيس حزب جديد. في المقابل، يمكن لباباجان بالفعل أن يعتمد، وفق الإعلام التركي، على دعم شخصية بارزة أخرى في حزب العدالة والتنمية، هي الرئيس السابق عبد الله غول من أجل تأسيس تيّار منشقّ. وخلال إحدى المقابلات، أبدى أردوغان استيائه من مشاريع رفاق دربه السابقين. وقال "إذا لم نشعر بخيبة أمل منهم، فممن إذاً سنشعر بخيبة أمل؟".
لكن الخبيرة هينتز تعتبر أن نجاح حزب يؤسسه باباجان "يعتمد على الأرجح على مدى قدرته على تقديم خطط ملموسة لمعالجة المشاكل الاقتصادية والفوارق الاجتماعية". وترى أن أمام باباجان "فرصة في تعبئة يمين الوسط التركي، بالاعتماد خصوصاً على الاستياء العام من الإثراء الشخصي لقادة حزب العدالة والتنمية بينما الاقتصاد التركي يغرق في أزمة".
وفاز أردوغان وحزب العدالة والتنمية بكل الانتخابات التي أجريت منذ عام 2002. لكن في الانتخابات البلدية الأخيرة، خسر أردوغان وحزبه اسطنبول، القلب النابض للاقتصاد التركي، كما العاصمة أنقرة، ومدن كبرى أخرى. ورغم هذه الانتكاسات، يتمتع أردوغان بقاعدة وفية مؤيدة له، خصوصاً في المحافظات البعيدة عن المركز، وفق إيمري أردوغان من جامعة بيلغي في اسطنبول. ويرى الباحث أن بروز شخصية منشقة عن حزب العدالة والتنمية كخصم جديد قد يكون له أثر "تدميري" لأردوغان في الانتخابات المقبلة المقررة عام 2023، مع العلم أن على المرشح للرئاسة أن يحصل على أكثر من 50% من الأصوات للفوز.
ح.ع.ح/ ع.خ (أ.ف.ب)
- المقالات
- حوارات