تتوالى التقارير الدولية حول حادثة "بقيق " وتصب كلها في استبعاد قدرات الحوثي في وقوفه وراء الحادثة وسط سماجة حوثية متواصلة من خلال تمسكه بادعاءته انه من هاجم معامل ارامكو ، ففي تحليل مطول استبعدت وكالة “أسوشيتد برس” أي دور للحوثيين في الهجوم الذي طال يوم السبت الماضي أهم منشأة نفطية في المملكة العربية السعودية.
وقال التقرير إن طائرات الحوثيين المسيرة – في كل هجماتها السابقة – تنفجر في الهواء بالقرب من الهدف أو تنفجر أثناء ارتطامها به، وبالتالي فإن الخسائر المادية الناجمة عن هذه الهجمات تكون محدودة للغاية، وهو ما يتناقض مع الحادثة الأخيرة التي ألحقت أضرار بالغة للغاية في البنية التحتية للمنشأة السعودية.
ولفت التقرير إلى جملة من المعطيات التي سبقت الحادثة والتي تشير إلى ضلوع إيران بشكل مباشر أو عبر وكلائها في العراق بهذا الحادث.
وقال التقرير أن صور الأقمار الصناعية للمواقع السعودية التي تعرضت للهجوم والتي أصدرتها الولايات المتحدة لاحقاً تظهر تعرض الأجزاء الشمالية من المواقع للضرر بشكل بالغ. وبالتالي فلو حدث أي هجوم من اليمن ، فإن الأجزاء الجنوبية كانت ستتعرض لهكذا أضرار وليس العكس.
نص التقرير:
يؤسس الهجوم الذي استهدف قلب الإمبراطورية النفطية الهائلة للمملكة العربية السعودية لمرحلة جديدة بنمطً بالغ الخطورة في منطقة الخليح العربي، عبر هجمات دقيقة تترك القليل من الأدلة الواضحة حول هوية الفاعل الحقيقي.
وابتداءً من شهر مايو الماضي الذي حدثت خلاله سلسلة انفجارات لعدد من الناقلات النفطية بالقرب من مضيق هرمز دون أن يدعي أحد مسئوليته عنها ، شهدت المنطقة استهداف البنية التحتية للطاقة بشكل متكرر. وتُوجت تلك الهجمات بهجوم السبت الفائت على أكبر معمل للنفط في العالم والذي يقع شرق المملكة العربية السعودية ، ما أدى إلى خفض المملكة الغنية بالنفط انتاجها إلى النصف وتسبب في ارتفاع أسعار الطاقة.
جماعة الحوثيين في صنعاء أعلنت مسئوليتها عن بعض هذه الضربات. غير أن التطورات المتسارعة في قدراتهم العسكرية زادت من الشكوك بين الخبراء والمحللين بأن إيران ربما تنسق تلك الهجمات مع الحوثيين عبر دعمهم لوجستياً وعسكرياً – أو ربما تنفذ تلك الهجمات بنفسها ، كما هو الحال في الادعاء الامريكي المتعلق بالهجوم الذي وقع في بقيق.
وفي هذا الشأن يقول مايكل نايتس ، وهو محلل بارز في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى: “يمكن لإيران الاعتماد على ضبابية الصورة وبقاء الحادث مثار شك لمنحها القدرة على الإنكار تحت أي ظرف من الظروف ، لكن أي هجوم بهذا الحجم والخطورة قد تكون له عواقب دبلوماسية وعسكرية شديدة الخطورة عليها”.
ولم تعلن إيران مسئوليتها سوى عن هجوم واحد خلال هذه الفترة ، وهو إسقاط طائرة استطلاع عسكرية أمريكية بدون طيار تزعم أنها دخلت مجالها الجوي في 20 يونيو.
لقد منحت طهران ميداليات لأعضاء الحرس الثوري الذين أشرفوا على البطارية المضادة للطائرات التي أسقطت الطائرة المسيرة. كما أنها قد اعترفت بشكل منفصل بالاستيلاء على عدد من ناقلات النفط ، وأبرزها ستينا إمبيرو التي ترفع العلم البريطاني، وذلك في 19 يوليو.
ومع ذلك ، فإن الهجمات على ناقلات النفط وكذا الاعتداءات الحوثية المزعومة على البنية التحتية للنفط في المملكة العربية السعودية تتوافق مع الحوادث الآنفة الذكر، والتي ألقي باللوم فيها على طهران.
يقول الخبراء بأن إيران تعتمد على ما يسمى بالهجمات “غير المنسوبة إليها” ، حيث يصعب توجيه اللوم إليها في ظل هذه الظروف.
أما عن أسباب هذا النهج فهي متعددة. فمنذ الثورة الإسلامية عام 1979 ، لم تتمكن إيران من شراء أسلحة متطورة من الغرب مثل جيرانها العرب في الخليج.
في الواقع، لا تزال قواتها الجوية محصورة في طائرات F-4s الأمريكية الصنع ، و F-5s و F-14 ، وكذلك الطائرات الحربية السوفيتية. وقد حدث أن أغرقت البحرية الأمريكية نصف الأسطول البحري الإيراني في معركة بحرية خلال يوم واحد فقط في عام 1988 وسط ما يسمى ب “حرب الناقلات”.
وبينما ركزت إيران على بناء ترسانتها الصاروخية الخاصة ، يقول الخبراء إن القوات المسلحة الإيرانية ستعاني في مواجهة عسكرية مباشرة. ولهذا فإن شن هجمات لا يمكن ربطها بسهولة بطهران يحد من فرصة الانتقام المباشر منها.
ولكي تبعد نفسها أكثر عملت طهران على زرع شبكة من القوات بالوكالة في الشرق الأوسط. تدعم إيران الجماعة اللبنانية المسلحة “حزب الله” ، والذي يوفر لها وسيلة للضغط على إسرائيل. كما عملت إيران على فعل الشيء نفسه مع الحوثيين ، وهم أعضاء في طائفة زيدية شيعية استولوا على العاصمة صنعاء في سبتمبر / أيلول 2014.
ويقول محللون إن الهجمات المزعومة أو المنسوبة إلى هذه الجماعات قد تكون طهران ضالعة فيها بشكل مباشر أو غير مباشر.
يربط أولئك الذين يوجهون أصابع الاتهام نحو إيران بين القصف الذي تعرضت له أرامكو والتوقيت الحساس الذي وقع فيه، حيث يتزامن مع الأزمة الإيرانية الأمريكية الراهنة بعد انسحاب واشنطن من الصفقة النووية مع طهران. الأزمة اشتعلت بين الدولتين بعد أن قام الرئيس دونالد ترامب بسحب الولايات المتحدة بشكل أحادي من الصفقة في 8 مايو 2018.
أعقب ذلك حملة عقوبات أمريكية أدت إلى قطع جزء كبير من صادرات طهران النفطية في السوق الدولية ، وسط وعود من المسؤولين الإيرانيين بعدم تمكن أي شخص من تصدير النفط من المنطقة إذا لم تستطع طهران ذلك.
بعد عام من يوم انسحاب ترامب من الاتفاق النووي ، حذرت إيران من أنها ستبدأ مرحلة تخصيب اليورانيوم بالقرب من مستويات صنع السلاح النووي. بعد أربعة أيام ، وتحديداً في 12 مايو ، ضربت أول هجمات غامضة ناقلات النفط قبالة مضيق هرمز. وبعد يومين من ذلك ، قال الحوثيون إنهم ضربوا خط أنابيب الشرق والغرب في المملكة العربية السعودية في هجوم بطائرة بدون طيار.
وعندما التقى المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي برئيس الوزراء الياباني شينزو آبي الذي كان يحمل رسالة من ترامب في 13 يونيو ، تعرضت ناقلة نفط يابانية وسفينة أخرى للهجوم. وفي شريط فيديو نشره الجيش الأمريكي لاحقاً تظهر القوات الإيرانية وهي تزيل قنبلة مغناطيسية ، تعرف باسم “لغم مزروع” ، من السفينة اليابانية ، وهو أمر لم تشرحه إيران قط. كما أسقط الحرس الثوري الطائرة الأمريكية بدون طيار في 20 يونيو.
وجاء هجوم السبت على السعودية بعد أن ابتعدت إيران أكثر فأكثر عن الصفقة النووية وقبل موعد انطلاق الجمعية العامة للأمم المتحدة في وقت لاحق من هذا الشهر وسط تكهنات باحتمال عقد اجتماع بين ترامب والرئيس الإيراني حسن روحاني. وقد سحق المرشد الأعلى لإيران آية الله علي خامنئي يوم الثلاثاء فكرة أي محادثات بين ترامب وروحاني.
إذاً.. ماذا جرى في “بقيق” بالضبط؟
تظهر صور الأقمار الصناعية للمواقع السعودية التي تعرضت للهجوم والتي أصدرتها الولايات المتحدة لاحقاً تعرض الأجزاء الشمالية من المواقع للضرر بشكل بالغ. ويقول مسؤولون أمريكيون إنه لو حدث أي هجوم من اليمن ، فإن الأجزاء الجنوبية كانت ستتعرض لهكذا أضرار.
وإلى الشمال عبر الخليج العربي تقع إيران والعراق ، حيث تتواجد الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران. وبالرغم من أن العراق نفى أن الهجوم جاء من هناك، إلا أن الكويت، وهي تتوسط العراق والسعودية وعلى مقربة من غرب إيران ، قد أكدت صحة التقارير التي تفيد بأن طائرة مسيرة أو جسم منخفض حلّق فوق سمائها في وقت مبكر من يوم السبت قبيل الهجوم.
يقول محققون من الأمم المتحدة إن الطائرة المسيرة UAV-X التي يمتلكها الحوثيون يصل مداها إلى 1500 كيلومتر (930 ميل). وهذا من الناحية النظرية قد يضع المصنع وحقل النفط الذي ضرب يوم السبت في نطاقها.
ومع ذلك فإن طائرات الحوثي بدون طيار تنفجر عادة في الهواء أو عندما تصطدم بالهدف ، وتخرج منها الشظايا مثل الذخيرة. وبالتالي فإن أي هجوم للحوثيين بالطائرات المسيرة سيكون محدود التأثير والخسائر على البنية التحتية لأي هدف يريدون قصفه.
الهجمات الحوثية بالطيران المسير والتي حدثت في أوقات سابقة تؤكد هذا ، حيث انفجرت واحدة تم تسجيلها على شريط فيديو في كانون الثاني (يناير) على حشد من الناس في عرض عسكري.
إلا أن الصور الصادرة عن هجوم يوم السبت تُظهر ضربات دقيقة ونافذة بعمق في الهياكل بمنشأة معالجة النفط، وهو ما يثير الريبة والاستغراب.
وقال فابيان هينز ، الباحث في مركز جيمس مارتن لدراسات حظر الانتشار النووي: “إن غارات الحوثي السابقة ضد منشآت النفط كانت تميل إلى التسبب في أضرار محدودة للغاية وهذا قد يكون مؤشراً على أن الهجوم الأخير على أرامكو نفذ باستخدام نظام تسلح مختلف”.
وبينما تحقق السلطات في الهجوم السعودي ، فإنها ستعتمد على فحص الاستدلال الجنائي للأسلحة المستخدمة لتحديد ما أصاب الموقع. هذا ، إلى جانب تفاصيل عن الضرر ، قد يسمح للمحققين بتحديد هوية الفاعل الحقيقي في أحدث هجوم غامض في المنطقة.
- المقالات
- حوارات