الرئيسية - محافظات وأقاليم - تعز.استخدام الشيولات لحفر المقابر بعد ارتفاع أعداد جنائز الموت بسبب كورونا
تعز.استخدام الشيولات لحفر المقابر بعد ارتفاع أعداد جنائز الموت بسبب كورونا
تعز..ارتفاع أعداد جنائز الموت واستخدام الشيولات لحفر المقابر لأو
الساعة 05:43 مساءاً (الشارع)

“لن يصيبنا إلا ما كتبه الله لنا”، هكذا رد أحد الباعة المتجولين في مدينة تعز على سؤال “الشارع” له عن سبب عدم التزامه البقاء في المنزل، تنفيذاً للحظر الذي فرضه الخوف من فيروس كورونا.
“نموت بكورونا أفضل من أن نموت جوعاً نحن وأولادنا في البيوت”؛ أضاف البائع المتجول محمد الشرعبي، الذي يعتقد أن احتمال الموت نتيجة الإصابة بالفيروس لا يتجاوز 5 %، في حين احتمال الموت جراء البقاء في البيوت دون عمل هو بنسبة 100 %.
عندما يقف الناس في مواجهة خيارين لا ثالث لهما؛ كورونا أم الموت جوعاً، فسيختارون الخيار الأقل ضرراً، وهذا ما أكده شادي محمد لـ “الشارع” بقوله: “نحن الفقراء في تعز، وعددنا كثير بعد الحرب، نضطر إلى اختيار الأفضل من بين العديد من الخيارات السيئة والصعبة”.
تزدحم مدينة تعز بالعُمَّال الذين يعتمدون في معيشتهم على العمل بالأجر اليومي. يعملون في بيع الخضروات والفواكه، وسلع أخرى، يعملون في المطاعم والبوفيات، وفي بناء المنازل، وغير ذلك. يحاول هؤلاء، وهم بمئات الآلاف، البقاء صامدين أمام الفقر والواقع المر والحصار والغلاء الذي يحاصر مدينة تعز منذ خمسة أعوام.
غالباً ما يعيشون في مساكن مستأجرة، وتثقل كواهلهم التزامات أُسرية وحياتية أخرى. كانوا يعملون لتحسين مستوى معيشتهم. اليوم، يكدحون بشكل أكثر كي يبقون صامدين في الحياة، هم وبقية أفراد أسرهم. كانوا يكدحون للصمود في وجه الحرب والحصار. اليوم، يكدحون للصمود في وجه الحرب والحصار وفيروس كورونا.
مئات الآلاف من سكان تعز وجدوا أنفسهم، فجأة، قبل نحو خمسة أعوام، بدون وظائف، أو مصدر دخل ثابت. باتوا يعتمدون على الكدح اليومي، وعلى المساعدات الغذائية والإنسانية المقدمة من بعض المنظمات الدولية. أعداد غير قليلة منهم، صاروا يمارسون مهن صغيرة ومتواضعة خارج سياق وظائفهم الأساسية التي تعطلت بفعل الحرب.
لكل ما سبق، لم يتغير حال تعز بعد إعلان السلطات الصحية الرسمية، مطلع مايو الفائت، أول حالة إصابة مؤكدة بفيروس كورونا في المحافظة. الوضع العام ظل يسير بشكل عادي وكما كان، رغم تصاعد المخاوف من تفشي الوباء. التحديات الاقتصادية والمعيشية فرضت/ تفرض على أهالي تعز التعايش مع الوباء، لا سيما أن أغلب سكان المحافظة يعتمدون على العمل اليومي المباشر لتأمين سُبل حياتهم وحياة أُسرهم.
وبسبب عدم الاكتراث، تجد قلة قليلة من ساكني تعز يلتزمون بوضع الكمامات، وقفازات اليد، لتجنب تفشي الفيروس العالمي القاتل.

حتى الثلاثاء الفائت، كان إجمالي عدد الإصابات بفيروس كورونا في المناطق المحررة من تعز 199 حالة إصابة، شفيت منها 16 حالة، فيما فارقت الحياة 47 حالة؛ حسب إعلان الناطق باسم لجنة الطوارئ في محافظة تعز، الدكتور أحمد منصور. لكن المؤكد أن الأرقام الفعلية هي أكبر بكثير من ذلك.
تفيد المعلومات غير المؤكدة أن مئات الأشخاص أصيبوا وتوفوا بهذا الفيروس في تعز. لا توجد إحصائيات دقيقة لعدد الضحايا في المحافظة؛ كما لا توجد إحصائية دقيقة لعدد الضحايا في اليمن بشكل عام. يعود ذلك إلى عدة أسباب.
أولاً: السلطات، التي تُمثل الحكومة الشرعية، عاجزة عن تغطية، صحياً، كل المناطق المحررة في محافظة تعز، إذ ليس لديها القدرة على ذلك في ظل التدمير شبه الكامل الذي ألحقته الحرب بالمرافق الصحية في المحافظة واليمن بشكل عام.
ثانياً: منذ الإعلان رسمياً عن وصول “كورونا” إلى تعز، توفي كثير من الناس دون التأكد من أسباب وفاتهم، رغم أنهم فارقوا الحياة جراء إصابتهم بأعراض مرضية تتطابق مع الأعراض المرضية التي يتسبب بها هذا الفيروس.
ثالثاً: لاتزال مليشيا الحوثي تسيطر على جزء غير قليل من مدينة تعز، وعدد من مديريات المحافظة. وكما هو معروف فالمليشيا تتكتم على ضحايا “كورونا”، وترفض الإعلان عن العدد الفعلي للمصابين بهذا الفيروس أو المتوفين بسببه.
رابعاً: كما في جميع اليمن، ينكر الناس في تعز إصابتهم بـ “كورونا”، أو توفي أقاربهم جراء الإصابة به.

منذ خمس سنوات، وتعز تعيش أسوأ أزمة إنسانية في العالم. الأمم المتحدة، أكدت، أكثر من مرة، أن اليمن تعيش أسوأ أزمة إنسانية في العالم. الحرب حطمت قدرات كثير من ساكني تعز، واليمن بشكل عام. ويبدو أن عدم الاكتراث بفيروس كورونا عائد إلى ذلك. لم يعد لدى الناس ما يخسرونه، وصار الموت بهذا الفيروس أقل ضرراً من الموت جوعاً في المنازل. لهذا، يخرج الناس في تعز، وغيرها من المحافظات اليمنية، لممارسة أعمالهم اليومية دون الالتزام بدعوات البقاء في المنازل، وغير مكترثين بمخاطر الإصابة بـ “كورونا”.
فتح مقابر جديدة
على مدى الخمس السنوات الماضية، ظلت مقبرة السعيد، الواقعة في مدينة تعز، تستقبل قتلى الحرب وضحاياها المدنيين. اليوم، صارت هذه المقبرة تستقبل ضحايا “كورونا”.
عمليات الدفن في هذه المقبرة شهدت، منذ عشر أيام، تزايداً متسارعاً وملحوظاً في استقبال جنائز الموتى، وأغلبهم فارقوا الحياة جراء إصابتهم بالفيروس العالمي القاتل. وقال شخص يقوم بحفر المقابر في هذه المقبرة، إنه يتم فيها دفن نحو 15 ميتاً يومياً، مقابل أربع أو خمس عمليات دفن يومياً قبل تفشي “كورونا” في المدينة. سكان يقطنون حول المقبرة أفادوا أنه يتم دفن نحو جثامين عشرة أشخاص بشكل يومي في المقبرة، لا يتم الإتيان بجثامينهم من المراكز الصحية أو المستشفيات، بل من البيوت، وهو ما يحول دون معرفة من منهم توفي بسبب الفيروس، ومن توفي بأسباب أخرى.
لا توجد إحصائيات رسمية لعدد المصابين والمتوفين بـ “كورونا”. هناك تكتم رسمي واجتماعي يحول دون ذلك؛ إضافة إلى غياب دور الأجهزة الرسمية، لا سيما الصحية، وعجزها عن القيام بدورها لمواجهة الوباء. أغلب الضحايا يفارقون الحياة في بيوتهم، بعد صراع مرير من الفيروس، وتقوم أسرهم بدفن جثثهم دون التصريح بالسبب الحقيقي لوفاتهم، بل يقدمون أسباباً/ أمراضاً أخرى لوفاتهم. لهذا فأعداد ضحايا الفيروس في تعز أكثر كثيراً من الأرقام المعلنة رسمياً.
ورغم أن تغسيل وتكفين ودفن المتوفين بـ “كورونا” تتطلب احترازات وقائية عالية، إلا أن ذلك لا يتم في تعز، وفي أغلب المحافظات والمناطق اليمنية، حيث يقوم بهذه الأمور أشخاص لا يلتزمون بالاحترازات المطلوبة (ارتداء الأدوات الصحية العازلة)، ويحضر عدد كبير من الناس عملية الدفن في المقابر!
يحرص الكثير من أبناء تعز، واليمن بشكل عام، على المشاركة في مراسيم دفن معارفهم وأصدقائهم؛ للمواساة والمشاركة في الحزن. في الوقت الحالي، صار عدد منهم يتقاسم مع أهالي المتوفين الحزن وفيروس كورونا أيضاً.
أوصت منظمة الصحة العالمية بالتباعد الاجتماعي، بما في ذلك السير في الجنائز وحضور عمليات دفن ضحايا الفيروس. وإلى هذا، فيفترض وضع أهالي المتوفين في حجر صحي حتى التأكد من عدم إصابتهم بالفيروس. في تعز، وعموم اليمن، لا يتم الالتزام بذلك. والذكور من أُسر المتوفين يشاركون جميعاً في جنازات ودفن أعزائهم.
أدى غياب السلطات الرسمية، بما فيها الصحية، إلى تسيد العشوائية والفوضى؛ في تعز واليمن بشكل عام.
الأساليب غير الإنسانية للمستشفيات لم تتوقف عند رفضها استقبال المصابين “كورونا”، بل تجاوزت ذلك إلى تعامل بعضها بشكل سيئ وغير لائق مع جثامين بعض من يموتون جراء الإصابة بهذا الفيروس!
وقبل نحو أسبوعين، وصلت سيارة إسعاف إلى أمام بوابة مقبرة السعيد، ورمت بجثة شخص توفي بالفيروس، ثم غادرت! قال بعض الأهالي، إن السيارة توقفت أمام المقبرة، ونزل منها شخصان أنزلا الجثة ورمياها في المقبرة؛ بشكل “قذر” وغير إنساني. اضطر أهالي الحي دفن الجثة.
لقد تم فتح مقابر جديدة في تعز بدلاً من أن تقوم السلطات المحلية بفتح مراكز صحية جديدة لمواجهة الوباء، تم فتح مقابر جديدة لاستقبال جثامين ضحاياه!

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص