في 4 فبراير، أعلنت إدارة بايدن تعيين تيموثي ليندركينغ، مبعوثاً خاصاً للولايات المتحدة إلى اليمن. وفي خطاب متلفز، قال الرئيس جو بايدن بتعيين ليندركينغ، فإن الولايات المتحدة تكثف من جهودها الدبلوماسية لإنهاء الحرب في اليمن، وبالتالي إنهاء الكارثة الإنسانية التي خلقتها الحرب. وأضاف بايدن: “يجب أن تنتهى هذه الحرب”. وأوضح: “للتأكيد على التزامنا، فإننا ننهي كل الدعم الأمريكي للعمليات الهجومية في الحرب على اليمن، بما في ذلك مبيعات الأسلحة ذات الصلة”. وبعد يومين، ألغت الإدارة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية، منوهة بمخاوفها الإنسانية.
وفي حين كان تعيين “ليندركينغ” بمثابة خطوة مطلوبة جداً، فإن خطاب “إنهاء حرب اليمن” الذي يناصره محللو السياسات والدبلوماسيون ودعاة السلام الغربيون، يثير إشكالية كبيرة، ومنفصل عن الواقع على الأرض. فمنذ عام 2014، حاول مبعوثون خاصون متعاقبون للأمم المتحدة إلى اليمن التوسط لإيجاد تسوية سياسية بين حكومة هادي والحوثيين لإنهاء النزاع، واستئناف عملية الانتقال السياسي التي أحبطت عندما تحالفت قوات الحوثيين مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح واستولت على صنعاء في سبتمبر 2014. ويُعرف هذا الجهد عادة باسم “عملية السلام”، ويحظى بدعم واسع النطاق من المجتمع الدولي، بما في ذلك الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي والاتحاد الأوروبي.
لا توجد إجابات سهلة
إن الحاجة الملحة للتوصل إلى تسوية سياسية مدفوعة إلى حد كبير بالرغبة في معالجة الحالة الإنسانية المتردية في اليمن، وهذا أمر مفهوم. والواقع أن الحرب جعلت البلاد تعيش أسوأ أزمة إنسانية في العالم. ومع ذلك، فلن يؤدي وقف مبيعات الأسلحة إلى التحالف الذي تقوده السعودية ولا التوصل إلى اتفاق لتقاسم السلطة بين حكومة هادي والحوثيين، إلى إنهاء الحرب في اليمن أو تخفيف الأزمة الإنسانية. إن النزاع في اليمن متعدد المستويات ومعقد للغاية، بحيث لا يمكن حله باتفاق سياسي متسرع. وقد تكون التسوية السياسية في ظل الظروف الراهنة مكسباً سريعاً للدبلوماسية الأمريكية والغربية، لكنها ستعزز على الأرجح ديناميات القوة الحالية، وستدفع باليمن إلى دوامة من الحرب الدائمة، مما سيُقرب 30 مليون يمني أكثر من المجاعة، وسيدفع البلاد بعيداً عن السلام.
وفي حين أن إدارة بايدن يمكنها أن تنجح بالضغط على التحالف الذي تقوده السعودية والحكومة اليمنية، إلا أنها لا تملك نفس النفوذ على الحوثيين، الذين لديهم حالياً اليد العليا عسكرياً. وبالتالي، فإن التسوية السياسية تخاطر بقلب التوازن العسكري لصالح الحوثيين، الذين فشلوا في إظهار أي التزام بوقف إطلاق النار في الماضي.
يبدو أن إدارة بايدن ألغت تصنيف الحوثيين “بالمنظمة الإرهابية الأجنبية” دون قيد أو شرط، على أمل أن يرد الحوثيون على ذلك، وأن ينخرطوا في مفاوضات بحسن نية. ومع ذلك، وكما يقول المسؤول السابق في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، ديف هاردن، فإن الحوثيين سوف ينظرون إلى هذا الإلغاء للتصنيف بأنه علامة على الضعف الأمريكي. أثارت هذه الخطوة غضباً واسعاً بين اليمنيين، الذين فسروا ذلك بأن إدارة بايدن أعطت للحوثيين الضوء الأخضر لمواصلة العنف ضد المدنيين. ففي اليوم التالي من قرار بايدن بإلغاء تصنيف الجماعة بالمنظمة الإرهابية الأجنبية، حشد الحوثيون قواتهم وشنوا هجوماً جديداً للاستيلاء على مدينة مأرب الغنية بالنفط، فضلاً عن شن هجمات بطائرات بدون طيار عبر الحدود على السعودية.
ومن الناحية السياسية، تغفل عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة عن الجهات الجديدة الفاعلة التي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية، بما في ذلك المجلس الانتقالي الجنوبي والقوات على الساحل الغربي. وكلاهما لديه عداء تجاه الحوثيين وحكومة هادي، وكلاهما لديه القدرة على تعريض أي تسوية سياسية مستقبلية لا تشملهما للخطر. وفي الآونة الأخيرة، اتخذت مبادرات محلية في محافظتي حضرموت وشبوة خطوات لتعزيز استقلالها الذاتي وتعزيز مطالبها بالتمثيل السياسي، وهو شعور يتشاركه معهم معظم اليمنيين غير الممثلين حالياً في محادثات السلام.
التدخلات الدولية الفاشلة
في السنوات الأخيرة، دفع اليمن فاتورة التدخلات الدولية الحسنة النية باسم السلام التي لم تفشل فحسب، بل أتت بنتائج عكسية أيضاً. في عام 2011، أسفرت مبادرة مجلس التعاون الخليجي عن اتفاق لتقاسم السلطة بين الرئيس السابق صالح ومعارضيه، وحددت خطة لعملية انتقال سياسي. ركزت الصفقة بشكل أساسي على الصراع على السلطة بين النخبة السياسية مع إهمال المظالم القديمة لليمنيين العاديين، ومنحت الرئيس السابق صالح الحصانة، مما سمح له فعلياً بالبقاء في السيطرة على معظم القوات المسلحة. ثم تحالف صالح مع الحوثيين وأطاح بالحكومة في سبتمبر 2014، بما جر البلاد إلى حرب أهلية مدمرة.
اتفاق ستوكهولم الذي توسط فيه مبعوث الأمم المتحدة بين حكومة هادي والحوثيين في ديسمبر 2018، هو مثال بارز آخر على التدخل الدولي الذي أتى بنتائج عكسية. لعبت الولايات المتحدة دوراً هاماً في الضغط على قوات التحالف بقيادة السعودية وقوات حكومة هادي، لوقف عملية عسكرية لاستعادة ميناء الحديدة. استغل الحوثيون وقف إطلاق النار، حيث استغلوا ذلك لإعادة تجميع قواتهم وشن هجوم كبير جديد يهدد الآن مأرب، آخر معقل للحكومة اليمنية، وهي محافظة تستضيف ما يقرب من 3 ملايين نازح يمني، وفقاً لمصادر رسمية.
التطلع للمستقبل
للمضي قدماً، ينبغي على إدارة بايدن أن تتوخى الحذر، وأن تقيّم العواقب غير المقصودة لاستخدام الدبلوماسية لفرض عملية تفاوضية سياسية لا تراعي الديناميات الداخلية المعقدة في اليمن والواقع على الأرض. الحوثيون جماعة ذات دوافع أيديولوجية تطالب بحق إلهي في الحكم باعتبارهم من نسل النبي محمد، وتتحدى المبادئ الأساسية للديمقراطية. لقد بنوا دولة بوليسية تحكم اليمنيين من خلال القمع الممنهج. وكجزء من “محور المقاومة” الإيراني، لديهم أجندة جهادية تشكل تهديداً ليس لليمن فحسب، بل للمنطقة بأسرها. ويجب ألا يُؤخذ تهديدهم على محمل الاستخفاف.
من أجل معالجة مشكلة اليمن، ينبغي على إدارة بايدن أولاً أن تعي تعقيد النزاع، وأن تضع سياسة لليمن تعكسه. ويتعين على الإدارة الأمريكية أن تتصالح مع حقيقة أن الظروف قد لا تكون مهيأة لإنهاء الصراع، ناهيك عن إحلال السلام. وفي حين يمكنها أن تُحمل التحالف الذي تقوده السعودية المسؤولية عن دوره في إدارة الحرب والخسائر المدنية التي سببها تدخلهم، إلا أن حل النزاع ليس مسؤولية الولايات المتحدة. ثانياً، بدلاً من استخدام رأسمالها السياسي لتمرير صفقة هزيلة من المرجح أن تكون عكسية، ينبغي على الإدارة الأمريكية الجديدة أن تعمل مع مكتب الممثل الخاص للأمين العام في اليمن مارتن غريفيث، للتخفيف من تأثير النزاع على المدنيين، من خلال تسهيل الوصول إلى المساعدات الإنسانية وفتح المطارات والموانئ والطرق الرئيسية إلى المدن. ثالثاً، يجب أن تعمل مع المملكة العربية السعودية لتحقيق الاستقرار في العملة اليمنية، ودعم الاقتصاد المحلي، وتعزيز الحكم الجيد والأمن حيثما أمكن ذلك.
إن زيادة المشاركة الدبلوماسية الأميركية لمعالجة النزاع في اليمن يمكن أن تساعد في تمهيد الطريق لإنهاء الحرب إذا هي فككت التعقيد وديناميات القوة على الأرض، كما يمكنه أن يؤدي إلى تفاقم الصراع إذا ركزت الإدارة الأمريكية أكثر من اللازم على حل سريع يفتقر إلى المقومات الأساسية للسلام المستدام. وينبغي للإدارة أن تعترف قصورها، وأن تتخذ القرارات بحكمة.
ندوى الدوسري باحثة غير مقيمة في معهد الشرق الأوسط.
نشر هذا التحليل على موقع معهد الشرق الأوسط الأمريكي بتاريخ 9 فبراير 2021
- المقالات
- حوارات