حين تداهمنا غوائل الدهر وتستدعينا فاجعات رحيل العظماء للحديث عنهم نتكوّم حول ضريح اللغة حزناً يحاصره الخرس، ولا نجد خياراً إلا أن نصبَّ أرواحنا في مجرى الأسى علّنا نستطيع الحديث عنهم بلغةٍ تستوعب معانيهم الشاهقة حتى سقوف السماء وذؤابة التاريخ.
الحديث عن فقيدنا العظيم الأستاذ عبدالقادر باجمال هو حديثٌ عن تجليات فلسفة القيادة التي اتسمت بها مسيرة الفقيد وتأثيره الفلسفي والروحي في المراكز القيادية التي تولاها في أجهزة الدولة وفي الاتحادات النقابية طلابيةً وعماليةً ومهنيةً وسياسيةً وحزبيةً سواءً في الحزب الاشتراكي اليمني أو المؤتمر الشعبي العام... وحتى في المآسي التي مر بها كتلك التي قادته إلى السجن بعد أحداث يناير المشؤومة في جنوب الوطن نتيجة مجاهرته برؤاه السياسية والاقتصادية الناقدة لطبيعة الوضع الشمولي الذي كان سائداً هناك ليدفع ثمن إيمانه ثلاث سنوات في غياهب السجن... لكنه مع مأساة سجنه كان قادراً أن يضيف إلى معارفه معارف جديدة ترسخ مفهومه الفلسفي لحل قضايا شعبه الغارق في وحول الصراع ومستنقعات الدم ليخرج من السجن فيلسوفاً يمتلك مقدرة تجاوز المشقات مهما تعاظمت ولديه أجوبةٌ حاسمةٌ على أسئلة الحياة المتتابعة كنهر لايتوقف.
عملت تحت قيادته في الحكومة إبان رئاسته لمجلس الوزراء، فبين عامي 2003 و 2007 الفترة التي شهدت إعادة تصويب مسارات إدارة الوظيفة العامة صوب بناء مفاهيم مؤسسية للعمل الحكومي كان الفقيد يمثل بوصلةً مضبوطةً صوب تحقيق الهدف المنشود.
وحين كنا نعرض عليه صعوبات واجهتنا أو حيرةً في اتخاذ قرار ما، كان الفقيد يرد بمنطق الحكيم وإحساس الشاعر وإيمان الثائر ليستحضر في طرفةِ عينٍ صعوباتٍ مماثلةٍ واجهتها حكوماتٌ في بلدان شتى.
يستحضرها كتجارب إنسانية يستلهم منها صيغاً للحلول المنسجمة مع ما كنا نعيشه من شروط ذاتية وموضوعية كبلدٍ فقير يحاول جاهداً الفكاك من رِبقة التخلف وعشوائية التعاطي مع مفردات وتفاصيل العمل الإداري في الجهاز الوظيفي للدولة.
إن رحيل رجل دولة بحجم الأستاذ الفقيد عبدالقادر با جمال يمثل انتكاسةً عنيفةً للحياة وخسارةً فادحةً تضاف إلى الفواجع التي تتناوب على شعبنا اليمني المعذب في هذا الزمن المحاصر بالموت والدم والدمار..
- المقالات
- حوارات