عادل الأحمدي
مشاورات اليمن في الرياض.. من الحزم إلى الحسم
الساعة 03:38 مساءاً
عادل الأحمدي

منذ الأيام الأولى لثورة خميني في العام 1979، كشف النظام الجديد في طهران عن ملامحه الثيوقراطية ومطامعه التوسعية باتجاه المنطقة العربية والمحيط الإسلامي، معلناً ما اسماه "مبدأ تصدير الثورة"، ذلك المبدأ الذي يفصح عن نوايا شريرة يضمرها الملالي باتجاه المنطقة.
بدأ النظام الجديد آنذاك، بتفجير مشكلة مع العراق، وتنصّل من معاهدة أرضون الحدودية، وقال حسن بني صدر، أول رئيس لجمهورية إيران الإسلامية، يومها، "لا استطيع أن أمنع جيشي عن دخول بغداد"، وفقاً لما ذكره الكاتب محمد حسنين هيكل في كتابه "مدافع آيات الله". ووفقاً لهيكل، فإن طهران هي من سعى نحو الحرب وذلك لإيجاد خطر خارجي يستطيع بموجبه الملالي أن يحكموا الداخل الإيراني (الرافض لهم)، بالحديد والنار وأحكام الطوارئ.
نشبت الحرب العراقية الإيرانية في العام 1980 وأكلت مليوني قتيل من الطرفين، وأعلن خميني توقّفها في 8- 8- 1988 "كمن يتجرع السم". ولقد وقف المحيط العربي إلى جانب العراق بدعم سخي، وفي مقدمته الأشقاء في مجلس التعاون الخليجي.
بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية استأنفت إيران مبدأ تصدير الثورة، وبدأت بأساليب ناعمة وتحت شعارات براقة من مثل "نصرة القدس، محور المقاومة...".. قامت طهران بغرس أذرعها في أكثر من بلد، ولم تندمل بعد الجراح العربية التي خلّفها غزو الكويت في العام 1990، حتى صحا الجميع بعد سنوات على الخطر الإيراني يكشف عن نفسه بشكل شاخص، بعد احتلال بغداد في مارس العام 2003، وما رافقه ولحقه من إبادة وتهجير وطمس هوية ومسح مدن.
وإزاء هذا الخطر واضح الملامح، تباينت مواقف الدول العربية، ما بين موقفٍ يسعى لاحتواء الخطر الإيراني عن طريق إدماج إيران في المنظومة الأمنية للمنطقة، وموقف آخر يرى أن أصحاب الرأي الأول يُحققون لإيران ما تريده إن تم إدخالها على هذا النحو، وذلك بسبب خبرتها في التوغل والهدم من الداخل. واختار أصحاب هذا الرأي موقفاً حازماً في مواجهة التمدد الإيراني، وفي طليعة هذه الدول، المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية.. على أن هذه الدول لم تتوقف قط عن محاولة تحاشي تلك المطامع الفارسية بالوسائل الدبلوماسية والأخوية ولكن هذه المساعي كانت دائما تصطدم بالتعنت الإيراني المغلف بالمراوغة والمزايدة، مع استمرار الملالي في تفخيج المجتمعات وتفريخ المنظمات الإرهابية وخلخلة الأنظمة.
دول أخرى تذبذبت مواقفها بين الارتباك والحياد والمواجهة أحياناً، لكن الأيام أثبتت أن موقف الدول التي قررت مواجهة هذا التوسع الطائفي المجنون كان هو الصائب، وكان على هذه الدول أن تتحمل تبعات هذا الموقف، وتعرضت بسبب ذلك، لحملة من الابتزاز الإعلامي والمزايدة السياسية من قبل إيران وأذرعها في المنطقة.
بلغ المشروع الفارسي أوجَهُ بدخول الحوثيين إلى صنعاء 21 سبتمبر 2014، ووجدت دول الخليج العربي وبعض الدول العربية والإسلامية نفسها مضطرة لوضع حد لهذا التدخل، حتى لا تتساقط عواصم أخرى، ومن ثم جاءت "عاصفة الحزم"، في 26 مارس 2015، بطلب من الحكومة الشرعية، ضمن "تحالف دعم الشرعية في اليمن" بقيادة المملكة العربية السعودية.
لن نتحدث هنا عن أهمية مثل هذا التحالف، وعما يمثله من أهمية تاريخية واستراتيجية للأمن القومي العربي في هذه السنوات الفارقة، ولكن المهم اليوم، هو التذكير بأن مضي نحو سبع سنوات في مواجهة اذرع إيران في المنطقة أثبتت إلى أي حدٍّ هي خطورة هذا المشروع، وأن التأخر عن مواجهته كان سيكلف الكثير، وكيف أنه لا أمل في أن يجنح الحوثي للسلام بعدما أضاع كل الفرص التي منحت له، وآخرها دعوته من قبل دول مجلس التعاون للمشاورات اليمنية اليمنية المزمع انطلاقها بالرياض اليوم الثلاثاء 29 مارس وتستمر حتى السابع من أبريل المقبل.
لقد جاءت دعوة مجلس التعاون في وقت فيه الحوثي أحوج ما يكون لفرصة كهذه لو كان لديه مثقال ذرة من الرغبة في إحلال السلام وإنهاء الحرب، لكنه قابل هذه الدعوة بالمزيد من الإرهاب المجنون، وأثبت مجددا أنه بضاعة خراب وأداة إرهاب، وأن سلام اليمن والجزيرة مرهون بتحرير القوة والسلطة من قبضته.
اليوم يُجمع العالم على تصنيف الحوثي ارهابيا، ويتفاقم ضده الرفض الشعبي جراء تفاقم المعاناة التي تسبب بها، وتضيق يوما عن يوم دائرة مناصريه، وتتأكد صورته العنصرية البشعة وتبعيته المبتذلة لإيران، وحربه الضروس ضد هوية الشعب وعقيدته وتاريخه ومصالحه الاستراتيجية واستهانته بأرواح أبنائه. أي أنه فشل على كافة المجالات والصعد وكان أمامه فرصة المشاركة في هذه المشاورات، ولكن الله لا يصلح عمل المفسدين، فكان رفضه نتيجة منطقية لكل جرائمه التي لا يستطيع تبريرها ولا يملك منطقا يحاجج به ولا نقطة مضيئة يتوسل بها، ولا حليفا محتملا يستقوي به.
ومع هذه الدعوة الخليجية المسؤولة وهذا الرفض الحوثي الوقح، بات واضحا أمام الشعب اليمني وأمام العالم أجمع، مَن هو الطرف الذي يريد استمرار الحرب ويرفض كل دعوات السلام.. وبات لزاماً على كل القوى الوطنية أن توحد كلمتها لتسريع خطى الحسم الذي بات الطريق الأسرع والأسهل لإعادة السلام لليمن، ولعله من نافلة القول إن هذه المشاورات التي دعت إليها الأمانة العامة لدول مجلس التعاون هي الفرصة الأنسب لتوحيد الكلمة وتقريب الرؤى ومعالجة الاختلالات.
هذا الاتفاق أو التوافق الذي سيخرج به المشاركون في المشاورات هو ما يحتاجه اليمن اليوم، وهو ما ينتظره الأشقاء لكي يسخروا كافة امكاناتهم السياسية والاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية لتحقيق مخرجاته.. وهو ما أكدته تصريحات أمين عام مجلس التعاون نايف الحجرف، وكذا سفير المجلس لدى اليمن سرحان المنيخر، وأيضا ناطق التحالف تركي المالكي في مؤتمره الصحفي قبل نحو شهرين في مدينة عتق محافظة شبوة.
إذن هي فرصة لن يسمح اليمنيون بالتفريط بها، وهذا ما بت واثقاً منه من خلال اللقاءات التي قمت بها اليومين الماضيين مع شخصيات مشاركة من كافة الأطياف.
لقد بات معلوما لدى أبناء اليمن وجوارهم العربي، أن بقاء الحوثيين كسلطة مسلحة هو الخطر الحقيقي الذي يهدد اليمن والمنطقة. وبمقدرونا التأكيد على أن الشعب اليمني صار جاهزا للفظ هذه المليشيا ودعم كل ما قد يفضي لحسمٍ واضح وكامل، وانفراجة حقيقية وجذرية، لكن هذا الحسم يتطلب بالضرورة تغيير العديد من طرق التعامل مع هذا الملف، من قبل اليمنيين أنفسهم، وكذلك إعفاء بعض الأدوات القيادية والتنفيذية التي لم تحرز نجاحا طيلة السنوات الماضية. كما يستلزم القضاء على كافة أسباب الخلاف بين مكونات الصف اليمني الرافض للحوثي جنوباً وشمالاً. ولا شك أن السبيل لتحقيق ذلك هو مشاورات الرياض في الأيام العشرة القادمة بعون الله وتوفيقه، وبالجهود الطيبة اليمنية والخليجية الرامية لإنهاء معاناة الشعب اليمني وبدء صفحة جديدة يتم فيها تعويض هذا الشعب عن كل المآسي التي تسببت فيها مليشيا الكهنوت.
اتفاق اليمنيين هو كل ما ينقص للانتقال من مرحلة الحزم إلى مرحلة الحسم والسلام. والمؤكد أنه في مشاورات الرياض سوف تجتمع لوحة وطنية لم يسبق لها مثيل منذ نحو 18 عاما.. ولعل السنوات التي مرت قد أنضجت في قلوب وعقول كل القوى الوطنية، الحاجة لمثل هذا التوافق، بحيث يتم تلاقح جميع الرؤى، وتكامل كل الطاقات، بحيث يتم توسيع مظلة الشرعية لتشمل الجميع، ويصبح الكل شركاء في تحقيق النصر وإعادة السلام وبناء اليمن.
 

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص