كشف تحليل صدر مؤخراً عن مؤسسة أبحاث أمريكية، عن أن التنافس الشديد بين تنظيمي الدولة الإسلامية "داعش" في اليمن والقاعدة في شبه جزيرة العرب، ومقره اليمن، لا يزال مستمراً ومتصاعداً خصوصاً بعدما وصلت إلى الاقتتال بين كلا التنظيمين الإرهابيين.
واعتبر التحليل الذي كتبه المحلل الاستخباراتي السابق في البحرية الأمريكية، بريان م. بيركنز، ونشرته مؤسسة جيمس تاون الأميركية للأبحاث، أن التنافس بين التنظيمين في اليمن، انعكاس للتنافس الأوسع بين تنظيمي داعش والقاعدة الأساسيَّين.
وتطرق التحليل إلى مكامن قوة وضعف كل من التنظيمين في اليمن، وأسباب اختلافهما، والنطاق الجغرافي الذي يتنافسان فيه، والفروع المحلية لـ"داعش" في المحافظات اليمنية، بالإضافة إلى العديد من الوقائع التي حدثت بين التنظيمين، وأمور أخرى تناولها التحليل.
وفي ما يلي النص كاملاً:
بقلم: بريان م. بيركنز
الشبكة العالمية لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بعيدة كل البعد عن الهزيمة، لكن خسارة التنظيم الأساسي لأراضٍ مهمة في العراق وسوريا هو علامة على نزعة طويلة وركود في تباين كبير مع عدم حدوث تغير كبير لدى تنظيم القاعدة في الفترة نفسها. بدت هذه النزعة واضحة على نحو خاص في اليمن، حيث دخل تنظيم الدولة الإسلامية رسمياً المشهد الجهادي للبلاد في نوفمبر 2015. وأطلق أبو بكر البغدادي شريطاً صوتياً يقبل فيه قسم الولاء من المقاتلين اليمنيين (المصدر: منظمة مراقبة الإرهاب، 7 أغسطس 2015).
كان تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، ولا يزال، المنظمة الإرهابية البارزة في اليمن، إلا أن "داعش" نجح بقوة من خلال شن العديد من الهجمات في جميع أنحاء البلاد وإنشاء عدة فروع مختلفة في كل من محافظات: عدن، أبين، البيضاء، حضرموت، إب، تعز، لحج، صنعاء و شبوة (المصدر: منظمة مراقبة الإرهاب، 7 أغسطس 2015).
وبحلول عام 2016، قام "داعش" بسلسلة من العمليات في مناطق لا حصر لها تجاوزت عمليات القاعدة في جزيرة العرب، وظلت تحقق النجاح بسبب البيئة الأمنية الفوضوية التي طغت على جميع أنحاء البلاد. ولكن خلال العام الماضي، تضاءلت عمليات التنظيم بشكل كبير وأصبح معظم نشاط فرع تنظيم الدولة الإسلامية الأكثر نشاطا، فرع البيضاء، مُنحصر على القتال المادي والأيديولوجي مع فرع القاعدة في شبه الجزيرة العربية، ما يدل على انطلاق عنان التنافس بين التنظيم الأساسي للقاعدة والتنظيم الأساسي للدولة الإسلامية.
تراجع الدولة الإسلامية في اليمن
انطلق تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ببداية قوية نسبياً في اليمن، متبنياً العديد من الهجمات البارزة، بما في ذلك تفجيرين انتحاريين توأمين على اثنين من المساجد المؤيدة للحوثيين في صنعاء قُتل فيهما 137 شخصاً وأصيب مئات آخرون في 20 مارس 2016 (المصدر: الجزيرة 23 مارس 2015). وأعلن كل فرع من فروع التنظيم المسؤولية عن العشرات من الهجمات في مناطقهم، بدرجات متفاوتة من الوحشية. وسرعان ما أثار مهاجمة داعش المساجد وقتل المدنيين، إدانة القاعدة في شبه الجزيرة العربية. وبالإضافة إلى العمليات الناجحة، شَرَعَ داعش أيضاً بالدعاية النشطة جداً.
وأخذت العديد من فروع داعش تنتج مقاطع فيديو عالية الجودة وإصدار وسائل وبيانات حول عملياتها بانتظام.
وعلى الرغم من تلك البداية القوية، إلا أن داعش تراجع في اليمن بشكل كبير من منتصف إلى أواخر عام 2016 حيث فشل التنظيم في السيطرة على المنطقة التي يعمل فيها، كما واجهة العقبات بسبب تكتيكاته الوحشية وعدم قدرته على الاندماج مع القبائل المحلية.
وعلى عكس تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، لم يطرح تنظيم داعش بصمته في اليمن ولم ينخرط في مشاريع اجتماعية من شأنها أن تدمج أفراده مع السكان المحليين، وبات لا يُعرف سوى القليل عن التكوين الفعلي لهذا التنظيم، لكن السكان المحليين أشاروا إلى أن العديد من أفراده هم أساساً من مقاتلي القاعدة في شبه الجزيرة العربية ورجال من القبائل الذين تم إغراؤهم من قبل التنظيم من خلال وعدهم بالمرتبات. غير أن فشل التنظيم في السيطرة على الأراضي والحفاظ على مواردها المالية الخاصة أدى إلى ارتفاع معدلات الإنهاك والتبدد.
وانخفض عدد الهجمات الناجحة التي كان يعلن عنها التنظيم بشكل كبير، وكانت غالبية عملياته تتمثل في استهداف قوات الحوثي أو قوات الأمن اليمنية بدلاً من المناطق ذات الكثافة السكانية العالية أو الأهداف المدنية مثل المساجد. وبالمثل، تراجعت وبشكل كبير وتيرة الدعاية والتصريحات التي تصدر عن مختلف فروع "داعش" باستثناء فرع البيضاء. كما تعرقلت عمليات داعش بشكل كبير بسبب تحسن الوضع الأمني في جنوب اليمن وعمليات مكافحة العصيان النشطة من قبل القوات الإماراتية والقوات المدعومة من الإمارات (المصدر: منظمة مراقبة الإرهاب ، 14يونيو).
كما أن مساحة المعركة المزدحمة والغارات الجوية المستمرة ضد الحوثيين في صنعاء وتعز وغيرها من ساحات المعارك الرئيسية لم تساعد على الحشد للتنظيم أو نموه أو بقائه. وهذه العوامل هي الأسباب الرئيسية التي جعلت فروع "داعش" الأخرى أيضا غير نشطة إلى حد كبير. وقد برز هذا الملف الشخصي للتنظيم مؤخراً بسبب المواجهات المفتوحة مع تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية.
الصراع مع تنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب
كان الصراع بين تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" وتنظيم القاعدة في اليمن أمراً محتوماً بفعل تطابق عملياتهما جزئياً، كما أن كلاهما يتنافسان على نفس الموارد، التي كانت إلى حد كبير هي الحُجة التي تجمع بين الانطلاق الواسع لكليهما.
تدهور داعش اليمن في الآونة الأخيرة بالإضافة إلى الارتفاع في المواجهات والمنافسة الدعائية بين داعش في اليمن وتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، هو انعكاس للتنافس الأوسع بين تنظيمي داعش والقاعدة الأساسيَّين.
وعلى الرغم من الاتفاق الواضح على تجنب المواجهة، ارتفعت حدة المنافسة مع تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية في يوليو 2018 حيث أصبح تنظيم "داعش" مقتصراً على منطقة قيفة في البيضاء، المكان الذي ينشط تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية على نحو خاص. وقد اندلع صدام بين تنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية في 10 يوليو، ما أدى إلى مقتل 14 من مقاتلي القاعدة في شبه الجزيرة العربية و 22 من عناصر داعش (المصدر:يمنات، 16 يوليو). كما يزعم تنظيم الدولة الإسلامية أنه تمكن من احتجاز 12 رهينة من مقاتلي القاعدة في شبه الجزيرة العربية واللذين ظهروا لاحقاً في شريط فيديو نشره التنظيم (المصدر: جهادولوجي، 1 أغسطس).
إلى جانب الفيديو الخاص برهائن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب المزعومة، كانت الأجنحة الإعلامية الرسمية للتنظيمين هادئة نسبيا فيما يتعلق بالاشتباكات حتى أوائل أغسطس، عندما أصدر داعش شريط فيديو بعنوان "والبادئ هو المعتدي" وكان موجهاً إلى تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية كإشارة لبدء الاشتباكات (المصدر: جهادولوجي، 1 أغسطس).
وازدادت وتيرة التصريحات والبيانات الرسمية المصورة بشكل ملحوظ بعد أن أدلى كل من زعيم تنظيم "الدولة الإسلامية" أبو بكر البغدادي وزعيم القاعدة أيمن الظواهري بتصريحات علنية في 22 و 23 أغسطس على التوالي (جهادولوجي ، 23 أغسطس).
أشار البغدادي بالتحديد إلى اليمن إلى جانب العراق وسوريا ، قائلاً "ألا ترى ما حدث للشعب في سوريا والعراق واليمن؟ ألا ترى ما لحق بأمة الإسلام من بؤس؟ استيقظ! لقد قرروا جعلك علمانياً بحملة تؤدي إلى عدم تصديقك وتدمير طريق السنة". كانت رسالة البغدادي دعوة واضحة لمزيد من الدعم في اليمن. أما رسالة الظواهري لم تُشر إلى اليمن تحديداً، بل وجهت دعوات مماثلة للدعم.
بعد خمسة أيام فقط من رسالة الظواهري، أصدر تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية بياناً رسمياً يدين تنظيم الدولة الإسلامية بتحويل التركيز من قتال الكفار إلى الاقتتال الداخلي بين المسلمين (جهادولوجي، 28 أغسطس 2018). ومنذ ذلك الحين، والتنظيمان يدليان بآرائهما العلنية ضد بعضهما البعض، وأخذا يُصدران بيانات على وتيرة أعلى مما كانت عليه في الماضي. أصدر داعش المزيد من التفاصيل بخصوص الاشتباكات في البيضاء في صحيفته "النبأ" الإصدار رقم 147بمناسبة 14 سبتمبر، ووضع اللوم بشكل واضح على القاعدة في شبه الجزيرة العربية واتهمه بقتل أرواح الأبرياء باستخدام المدنيين كدروع.
وأراد داعش أن يصف نفسه في رسالته بأنه حامي لأهل منطقتي "قيفة" و"حميدة" (المصدر: الجهادولوجي، 14 سبتمبر). منذ ذلك الحين، أصدر فرع داعش في اليمن أول فيديو له خلال الأشهر الستة الماضية، وهو على الأرجح محاولة لجعل تنظيم داعش يبدو بصورة أقوى مما هو عليه في الواقع.
توقعات
على الرغم من أن فرع داعش عدن- أبين، أصدر أول فيديو له منذ عدة أشهر، إلا أنه من غير المرجح أن يحقق هذا الفرع نجاحاً كبيراً. وبالمثل، من غير المحتمل أن يستعيد الفرع الأكبر قوته في المحافظات الجنوبية الأخرى بسبب العمليات المستمرة التي تقوم بها الإمارات والجماعات التابعة لها. وسيبقى فرع داعش في البيضاء هو الفرع الأكثر نشاطاً في الفترة المقبلة، ومن المرجح أن يستمر هذا الفرع إلى أن يحدث تحول كبير في البيئة الأمنية. ومع ذلك، سيستمر هذا الفرع في مواجهة منافسة قوية من القاعدة في شبه الجزيرة العربية، ومن المحتمل استمرار المزيد من الاشتباكات. وستستمر أجنحة الدعاية لكل من تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية وفرع داعش في البيضاء في تلقي إشارات من التنظيمين الأم لهما. وسوف يجسدان الصدامات في إطار تنافس إيديولوجي أوسع، حيث سيُظهر كل تنظيم نفسه على أنه التنظيم الأكثر صدقاً في حين يعمل على تشويه سمعة الآخر. وعلى خلاف داعش، من المرجح أن يُعمق تنظيم القاعدة جذوره على نحو أكبر مما هو عليه بالفعل وسيبقى التنظيم الإرهابي البارز باليمن في المستقبل المنظور.
- المقالات
- حوارات