الرئيسية - تحقيقات - من (القَطرَنَة) إلى (الحوثَنَة).. حروب الكهنوت ضد القبيلة اليمنية (1-2)
من (القَطرَنَة) إلى (الحوثَنَة).. حروب الكهنوت ضد القبيلة اليمنية (1-2)
الساعة 10:45 مساءاً (نيوزيمن)

من (القَطرَنَة) إلى (الحوثَنَة).. حروب الكهنوت ضد القبيلة اليمنية (1-2)

الميثاق نيوز - صنعاء، تقرير تحليلي:
مثلما استغلت التعددية والحراك السياسي والخلافات الحزبية التي طفت على سطح المشهد السياسي اليمني بقوة مطلع العام 2011م، مدفوعة برياح ما عرف إعلامياً بثورات "الربيع العربي"، لتطوي مسافة قرابة 400 كيلو متر، قادمة من أقصى شمال محافظة صعدة، لتنصب خيامها وافكارها الأيديولوجية التدميرية في قلب العاصمة صنعاء، تستغل اليوم مليشيا الحوثي -الذراع الإيرانية في اليمن- أعراف القبيلة وأسلافها وموروثها الفكري والثقافي القائم على حزمة من القواعد الاجتماعية الناظمة لوظيفة القبيلة، وذلك لإحكام قبضة المليشيا على السلطة وديمومة بقائها أولاً، واستنزاف وضرب وابتلاع القبيلة ثانياً، وبما يمكن المليشيا الحوثية مستقبلاً من إعادة صياغة القبيلة فكرياً ومذهبياً لتتلاءم مع التوجهات العقدية والمذهبية للجماعة.

تجهيل واحتقار لأبناء القبائل

تدرك مليشيا الحوثي جيداً، أن مسيرة 50 عاماً من عمر الثورة اليمنية ضد الإمامة، وقرابة 30 عاماً من عمر التعددية السياسية والتجربة الديمقراطية والحريات العامة وحقوق الإنسان، أحدث كل هذا تحولاً جذرياً ليس في وعي أفراد القبيلة فحسب، وإنما أيضاً في نمط حياتهم وتأثرهم الفعال بالتطورات التقنية وثورات الاتصالات على مستوى العالم كله، وهو ما يعني -حسب الشيخ القبلي أحمد النهمي- استحالة مقدرة الحوثي على إعادة عجلة التطور العلمي في وعي ووجدان أفراد القبيلة إلى مرحلة ما وصفها بـ"القَطرَنَة"(1)، لكن هذه الاستحالة لا تعني تخلي مليشيا الحوثي عن سياسة التجهيل والاحتقار لأبناء القبائل، وزرع بذور صراعات اجتماعية داخل أركان القبيلة، كاستراتيجية متعمدة وعامل هام، يحافظ على ما تعتقده المليشيا تميزاً لطبقتها الحاكمة، وتديم سيطرتها وتفردها بالحكم دون غيرها كحق حصري ينمو بالتجهيل ويضمر وينتزع منها بالتعليم.

خطط تدميرية بعيدة المدى


 
من هنا يفسّر الشيخ القبلي، أحمد النهمي، مجيئ مليشيا الحوثي بثاني قيادي في الأسرة الحوثية، يحيى بدر الدين الحوثي، على رأس القطاع التربوي والتعليمي المغتصَب في المحافظات (الشمالية) الواقعة تحت سيطرة الجماعة (وزارة التربية والتعليم)، وبدء عمليات العبث بوعي وعقول الناشئة، عبر تغيير المناهج التربوية، وتجويع المعلّم، وإفقار ولي الأمر، ضمن خطة تدميرية بعيدة المدى لخلق بيئة اجتماعية قبلية تجهيلية غارقة في الحروب والنزاعات الثأرية، ومنهمكة في الاحتفاء باستقبال توابيت أبنائها العائدين من غزوات الحوثي السلطوية جثثاً هامدة وملصقات ورقية على مضارب القبيلة، في واحدة من صور التجهيل الحديثة (حوثنة) والتي تتعارض كلياً مع كل القيم الإنسانية والطبيعة السوية لكل الكائنات الحية وحقها في التعبير عن الحزن والأسى عند وفاة أو فقدان أحد أقربائها..!

إعادة تعريف القبيلة مواكبة للتطورات

وفي سياق رصد حروب الحوثي الحديثة ضد القبيلة، ودراسة طبيعة العلاقة القائمة بين الطرفين، خلال هذه المرحلة، يعتقد الناشط في المجتمع المدني، عبدالله الهمداني، أن ذلك يتطلب أولاً إعادة تعريف القبيلة ليس بوصفها كياناً هلامياً يحلو للبعض إلقاء التهم جزافاً نحوها، وإنما باعتبارها إطاراً موازياً (اجتماعيا وسياسيا وثقافيا وجغرافيا ومذهبيا) لمجموعة من أفراد المجتمع متعددي الانتماءات السياسية والولاءات الفكرية والمناطق الجغرافية وتربطهم مصالح وقضايا مشتركة.

ويستبعد الناشط المدني الهمداني، إمكانية فهم طبيعة هذه العلاقة في ظل الحروب المشتعلة والتطورات السياسية والانقسامات المجتمعية المتسارعة منذ العام 2011م، دون دراسة الحالة اليمنية خلال السنوات الأخيرة كمنظومة واحدة بكل أبعادها وحيثياتها ومعطياتها وتسلسلها الزمني المترابط، ويرى الهمداني أن اتهام القبيلة بخيانة الجمهورية والثورة فيه قدر كبير من المغالطة وعدم الدقة "فالدولة والحكومة التي اعتذرت بين عشية وضحاها لمليشيا الحوثي عن حروب إخماد تمرد الأخيرة المتقطعة، ووجهت قواتها المسلحة التزام الحياد أمام تمدد الحركة، ليس جدير بها مطلقاً اتهام القبيلة بالخيانة أو التفريط بمبادئ الجمهورية"، ما لم تكن هذه الدولة -حسب الناشط المدني الهمداني- قاصدة بمثل هذه الاتهامات تجريح القبيلة وضرب معنوياتها وتدمير بناها المجتمعية اتساقاً في ذلك مع أهداف ومخططات مليشيا الحوثي الرامية للغرض ذاته..!

-------------------------------------------------------------------
(1) حكاية "القطرنة"، كما أوردها عبدالله البردوني في كتابه "اليمن الجمهوري"، حصلت في عهد الإمام أحمد، عقب فشل ثورة 1948، التي قتل فيها والده الإمام يحيى، وتولى هو على إثرها الحكم. حيث لجأ الإمام أحمد، إلى حيلة القطرنة، كوسيلة ﺍﺳﺘﺒﻴﺎﻥ ﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻤﻮﺍﻟﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﺿﻴﻦ ﻟﺤﻜﻤﻪ، ﻭﻣﻦ ﺟﻬﺔ أﺧﺮﻯ قياس مستوى وعي الناس، حيث أمر مقربيه ﺃﻥ ﻳﺬﻳﻌﻮﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺃﻥ ﺍﻟﺠﻦ ﻗﺪ ﺗﻤﺮﺩﻭﺍ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺃﻋﻠﻨﻮﺍ ﻋﺼﻴﺎﻧﻬﻢ ﻭﻣﻄﺎﻟﺒﺔ ﺍﻟﺮﻋﻴﺔ ﺃﻥ "ﻳﺘﻘﻄﺮﻧﻮﺍ" ﺑﻘﻄﺮﺍﻥ ﺍﻹﺑﻞ ﻛﻲ ﻳﺤﺼﻨﻮﺍ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ ﻣﻦ ﺷﺮ ﺍﻟﺠﻦ، ﻓﺼﺪﻕ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﺍﻷﻣﺮ وخرج الغالبية في اليوم التالي وقد كسا وجوههم القطران، وأول من فعلها ﻭﺯﻳﺮ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺍﻷﻭﻝ ﻭﻛﺒﻴﺮ ﺣﺮﺍﺳﻪ ﻓﺘﺒﻌﻬﻢ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﺍﻟﻤﻐﻠﻮﺏ ﻋﻠﻰ ﺃﻣﺮﻩ ﻭﻫﻮ ﻻ ﻳﻌﻠﻢ ﻣﻦ ﺍﻷﻣﺮ شيئاً، ﻭﻛﺎﻥ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺣﻴﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﻗﻤﺔ ﺍاﻧﺘﺼﺎﺭ والنشوة ﻟﻜﺴﺒﻪ ﺍﻟﺮﻫﺎﻥ على جهل الشعب، وبذلك لم يستجب لدعوات التغيير التي طرحها الأحرار، كونه أدرك أن الشعب لا يزال يؤمن به.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص