الرئيسية - ثقافة وفن - مثقفون وكتاب يستردون مدينتهم من خلال كتاب «مراكش التي كانت»
مثقفون وكتاب يستردون مدينتهم من خلال كتاب «مراكش التي كانت»
الساعة 10:45 صباحاً

مثقفون وكتاب يستردون مدينتهم من خلال كتاب «مراكش التي كانت»
الميثاق نيوز - مراكش: نظمت مؤسسة دار بلارج (مؤسسة تعنى بالثقافة و التراث)، مساء أمس (السبت) بمراكش (جنوب)،لقاءا صحافيا شارك فيها كتاب وشعراء ومبدعون مغاربة، ناقشوا خلالها خلفيات و دوافع تأليف كتاب « مراكش التي كانت» الذي صدر أخيرا عن منشورات دار « المرسم»، وهو الكتاب الذي جمعهم في تجرية استثنائية من خلال تأليف جماعي لنصوص نهلت من ذاكرة أصحابها، كمحاولة منهم لاسترداد المدينة ومعالمها و فضاءاتها الثقافية المتعددة أمام المد الكاسح للإسمنت على ما تبقى منها. 

استعادة المدينة

 

كشف الكاتب و الإعلامي ياسين عدنان عن كواليس كتاب « مراكش التي كانت » الذي كتب مقدمته و أعده للنشر، مشيرا إلى أن فكرة تحريض ثلة من الأدباء و الشعراء المغاربة على تأليف نصوص تمتح من الذاكرة،لأمكنة في مراكش سكنتهم في فترة ما من حياتهم، ولم يعد لها وجود بسبب التحولات العمرانية التي شهدتها المدينة خلال السنوات الأخيرة،هي فكرة تعود لعشر سنوات خلت،قبل أن ترى النور على شكل كتاب يعد محاولة من محبي مراكش لاستعادة المدينة و إن كان رمزيا فقط. 

و أضاف ياسين أن فكرة الكتاب تستمد وجودها من عشق المدينة التي تشوهت فضاءاتها التراثية من قبل المسؤولين المباشرين عن تدبير شؤونها تحت يافطة الإصلاح، دون أن يستشيروا كتابها و أدباءها وشعراءها عما يقترفوه كل يوم في حقها، مكتفين بسرد روايات عن مقاهي وفضاءات ثقافية تم إعدامها ومحوها نهائيا (مقهى السوربون، مقهى المصرف، سقايات، مكتبات..) حتى أضحت مجرد روايات تروى على ألسنة المراكشيين أو تقبع في نصوص الكتاب.

كما اعتبر الكاتب أن ما يظنه المسؤولون إصلاحا للمدينة ليس في واقع الحال إلا إفسادا لها، حيث أصبحت الأزقة و الدروب متماثلة تتشابه فيما بينها، ولم يعد هناك فرق بين الحي السعدي و المرابطي و اليهودي وغيره، في حين أن الكتاب و الأدباء مطالبون اليوم بالتفرج على ما يجري ولا سلطة لهم على تغييره، مؤكدا أن كتاب « مراكش التي كانت » هو محاولة لاستعادة المدينة ولوْ رمزيا.

مكر الكاتب  

 

وفي كلمة ألقاها بالمناسبة قال الشاعر و الكاتب عبد الرفيع الجواهري، وهو واحد من الكتاب المساهمين في الكتاب بنص عن « ضريح أبو العباس السبتي » أحد رجالات مراكش السبعة، إنه كلما نظر لمدينة مراكش إلا و رأى حربا طاحنة ضد الذاكرة، معتبرا أن الكاتب يمارس بِمكْرِه الأدبي لعبة الكتابة كنوع من المكر، مستدلاً بالآية الكريمة « ويمكرون و يمكر الله و الله خير الماكرين ».

و أضاف الجواهري أن الكاتب ليس في نهاية المطاف إلا رجلا ذا مخيال وحواس يستعملها لإلتقاط تفاصيل لا تراها أعين غيره من الناس، مؤكدا أن هناك « حربا قذرة » تخاض ضد الذاكرة، و الكاتب ليس في مقدوره إلا حفظ هذه الذاكرة من التلف، حيث ليس في مقدوره أن يغير عمران المدينة. 

كما أشاد الكاتب بالمعرض الفوتوغرافي الذي ينظم على هامش توقيع كتاب «مراكش التي كانت »، و الذي تحتضنه أروقة" دار بلارج"، ويشارك فيه مبدعون فوتوغرافيون بمخزون صورهم التي تعود لأربعة عقود مضت، مشيرا إلى أنها تجربة رائعة تجمع بين الفن الفوتوغرافي و الكتابة الأدبية، كما هو الشأن بالنسبة للشعر مع الفن التشكيلي. 

استرداد المدينة

من جهته، يرى الكاتب و الباحث محمد أيت لعميم أن الكُتاب الذي أسهموا بنصوصهم في كتاب « مراكش التي كانت » حاولوا استرداد المدينة من خلال رد الدين لهذه المدينة التي شهدت خرابا على امتداد تاريخها، لكنها استطاعت ان تتجاوزها، معتبرا أن المدن دين في رقاب كتابها، كما أنها تتوج الكتاب مثل رواية « إسطنبول » للكاتب التركي أورهان باموق التي منحته جائزة نوبل للآداب سنة 2006. 

 

واستطرد أيت لعميم في كلامه، من خلال ما جاء في اقوال علماء و أدباء زاروا مراكش في حقب قديمة من تاريخها ووقفوا على الخراب الذي طالها، كقولة الرحالة ابن بطوطة الذي صعد إلى صومعة الكتبية ووصفها قائلا «  اسواقها أهم من أسواق بغداد، لكن دب فيها الخراب.. »، وكذلك الحسن الوزاني الذي دخل قصر البديع ووجد به خم دجاج، في حين أن لسان الدين ابن الخطيب وصف المدينة بكونها « البرج النيِر العالي » و « تربة الوليِ »

و يرى أيت لعميم أن مراكش تضم مدنا غير مرئية، وهو ما حاول الكُتاب تدوينه من خلال نصوصهم التي تضمنها الكِتاب، معتبرا أن الكتابة هي حفظ للذاكرة، مستدلا بكتاب حول قصر البديع لعبد العزيز الفشتالي، في عهد الدولة السعدية، حيث اعتبر بأن الكتاب حفظ هذه المعلمة التارخية.  

سلطة الكاتب

وبدورها اعتبرت ثريا إقبال الكاتبة و الباحثة في التصوف، أنه من الصعب الكتابة عن أماكن و أشياء نحبها، وهو ما جعل مساهمتها في كتاب « مراكش التي كانت » من خلال نص « الجبل الأخضر.. عودة إلى الحي القديم » لم تكن سهلة المنال بالنسبة إليها. 

وأشارت الكاتبة إلى أنه "بقدر ما نسكن الأمكنة فهي تسكننا بدورها، وهي بذلك تشكل وجداننا، أما عن الكتاب فتؤكد أنه ليس بكاءاً على الأطلال، بل هو بمثابة تجلي لوظيفة الكاتب المتمثلة أساسا في تخليد ما طُبِع في القلب و الوجدان، كما أن سلطة الكاتب و سلطة قلمه مهمة وقد تتجاوز سلطة السياسي وصاحب القرار في أحيان كثيرة". 

وتساءلت إقبال عن كيفية تدبير الأمر بحكمة ومكر كذلك، داعية  المثقفين لمد يد المساعدة للسياسي الذي يمتلك سلطة القرار،  كما دعت لمناظرة جهوية تجمع بين الكتاب و السياسيين للمساءلة حول اختلالات الحاضرة المتجددة (مشروع إصلاحي لمدينة مراكش و إعادة ترميم معالمها). 

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص