رصد تقرير لوكالة أسوشيتد برس معاناة المهاجرين الأفارقة الذين يحلمون بالعمل في السعودية، لكن يتحتم عليهم مواجهة مخاطر جمة، أبرزها المرور باليمن، ذلك البلد المضطرب الذي يرزح تحت الحروب منذ سنوات.
زهرة، شابة أثيوبية في العشرين من عمرها، حاولت بكل ما أوتيت من قوة، السباحة في مياه عدن الزرقاء، ولبلوغ مبتغاها، تشبثت بأيدي زملائها المهاجرين.
ولحظة حط المئات من الرجال والنساء والصبيان رحالهم على شاطئ اليمن، بعد رحلة مضنية، بدأت تراودهم أحلام الثراء.
لكن سحابة الحلم تبددت عندما شاهدت الشابة الإثيوبية رجالا مسلحين ببنادق آلية في انتظارهم على الشاطئ، وقد تملكها الرعب، رغم أنها سمعت قصص المهاجرين عن تجار البشر الوحشيين وهم يتربصون مثل الضواري بضحاياهم، ويطلق عليهم لقب "عبد القوي".
عبيد للجنس
أخذت التساؤلات تدور في ذهن زهرة.. "ماذا سيفعلون بنا؟".
لقد تحملت هي و300 أفريقي يرافقونها مخاطر الإبحار لست ساعات في قارب تهريب خشبي لعبور باب المندب. وما إن وطأت أقدامهم الأرض، حتى قام المهربون بتحميلهم في شاحنات وقادوهم إلى مجمعات سكنية في الصحراء خارج قرية رأس العارة الساحلية.
وحسب التقرير، لم يمض وقت طويل حتى جاءت الإجابة التي أثارت شكوكها منذ البداية، فقد سجنت لنحو شهر في كوخ مسقوف بالقصدير في طقس شديد الحرارة وقد أنهكها الجوع.
وقالت زهرة لوكالة أسوشيتد برس إن خاطفيها كانوا يأمرونها كل يوم بالاتصال بأسرتها لتطلب منهم تحويل ألفي دولار 2000 دولار. وقالت إن لا عائلة لديها يمكنها أن تدفع لها المال كي تشتري حريتها.
وبدلا من أن يطلق سراحها هي ومن معها من الفتيات، تناوب خاطفوها على اغتصابها واغتصاب النساء الأخريات، لعدة أسابيع، وكانوا يستخدمونهن كعبيد للجنس طوال الوقت، حسب التقرير.
قالت زهرة: "لقد استغلوا الفتيات جميعا. كنا كل ليلة نتعرض للاغتصاب".
طريق الموت
هذا التعذيب الممنهج، جعل منطقة رأس العارة جحيما في تلك الرحلة الشاقة التي تمتد لنحو 900 ميل من القرن الأفريقي إلى السعودية.
يترك المهاجرون منازلهم ويبدأون رحلتهم سيرا على الأقدام تدفعهم أحلام الثراء والهرب من الفقر. يتسلقون جبالا ويهبطون وديانا ويقطعون الصحاري ويواجهون العواصف الرملية ودرجات حرارة تصل إلى 50 درجة مئوية، طعامهم فتات الخبز والماء المالح من الآبار القديمة.
في جيبوتي، تتشكل صفوف طويلة من المهاجرين في طابور واحد أسفل المنحدرات الجبلية وحتى السهل الساحلي الصخري، حيث يرى الكثيرون منهم البحر للمرة الأولى في حياتهم، ثم يصعدون في نهاية المطاف إلى القوارب حيث تبدأ الرحلة.
يتمكن البعض من الوصول بأمان إلى اليمن الذي مزقته الحرب ثم يشقون طريقهم إلى السعودية، حيث يتعرضون للاعتقال ثم طردهم عبر الحدود. وقد يحالف بعضهم الحظ في السعودية ويكسبون رزقهم كخدم وعمال.
لكن آخرين تتقطع بهم السبل فيتحول الحلم إلى كابوس في اليمن، لأن أوروبا أوصدت أبوابها أمام المهاجرين وأوكلت مصائرهم إلى بلدان أخرى.
ووفقا للمنظمة الدولية للهجرة، وصل أكثر من 150 مهاجرا إلى اليمن عام 2018، بزيادة قدرها 50 في المئة عن العام السابق.
وبنهاية شهر سبتمبر من هذا العام وصل أكثر من 107 آلاف شخص، إلى جانب عشرات الآلاف ربما لم تتمكن المنظمة من تعقبهم أو الذين دفنوا في قبور على طول الرحلة.
قدم الاتحاد الأوروبي تمويلات إلى إثيوبيا للقضاء على تجار البشر وتشديد الرقابة على الحدود. وتسبب اعتقال الوسطاء المعروفين في لجوء المهاجرين إلى تجار البشر غير الموثوق بهم، واتخاذ مسارات أكثر خطورة وزيادة خطر التعرض للانتهاكات.
وينتهي المطاف بالعديد من هؤلاء المهاجرين في رأس العارة.
تحدثت وكالة أسوشيتد برس مع أكثر من 20 إثيوبيا نجوا من التعذيب هناك.
تحدث جميعهم عن رؤيتهم مشاهد الموت، فقد توفي شخص بسبب الجوع بعد ساعات من حديثه إلى أسوشيتد برس.
تجار البشر
تتجاهل السلطات اليمنية إلى حد كبير ما يقوم به تجار البشر من سجن وتعذيب. وشاهدت الأسوشيتد برس شاحنات مليئة بالمهاجرين تمر عبر نقاط تفتيش عسكرية دون عوائق أثناء ذهابهم من الشواطئ لتفريغ حمولتهم البشرية في كل منزل.
وقال محمد سعيد، الضابط السابق في خفر السواحل الذي يدير الآن محطة وقود في وسط المدينة، "تجار البشر يتنقلون بحرية وفي الأماكن العامة ويقدمون رشى عند نقاط التفتيش."
المهربون هم من اليمنيين والإثيوبيين المعروفين. أحدهم يمني يدعى محمد العسيلي، يدير أكثر من 20 حوشا ويقود سيارة نيسان حمراء في المدينة.
ينتمي البعض الآخر إلى سباها، إحدى أكبر القبائل في جنوب اليمن، ويشتهر بعضهم بتورطهم في أعمال غير مشروعة. ويصف اليمنيون السباها بـ"اللصوص" الذين ليست لديهم ولاءات سياسية لأي من الأطراف المتحاربة.
من حين لآخر، يتمكن الإثيوبيون من الهروب أو يطلق سراحهم ويتوجهون من الصحراء إلى المدينة.
روايات مؤلمة
إيمان إدريس، 27 سنة، وزوجها، ظلا محتجزين لمدة ثمانية أشهر على أيدي مهرب إثيوبي. وتتذكر الضرب الوحشي الذي تعرضوا له، والذي ترك ندبة على كتفها. حصل المهرب على 700 دولار لنقلها إلى السعودية، لكنه لم يسمح لها بالرحيل، لأنه بحسب قولها "كان يريدني ملكا له".
عرض العديد من الشباب ما نالهم من إصابات في أيديهم من الأغلال التي أوثقوا بها. وقال أحد الذين تعرضوا لإصابات نتيجة الجلد إن النساء المسجونات في حوشه تعرضن للاغتصاب ومات ثلاثة رجال.
إبراهيم حسن، لاجئ آخر كان يرتجف وهو يعرض كيف كان مربوطًا مثل كرة وذراعاه خلف ظهره وركبتاه مربوطتان على صدره. وقال الشاب البالغ من العمر 24 عامًا إنه ظل مقيدا بهذا الشكل لأحد عشر يومًا وكان يتعرض للضرب بشكل متكرر.
وقال حسن إن المهربين أطلقوا سراحه بعدما اقترض والده 2600 دولار التي طلبها المهربون لإخلاء سبيله.
قال حسن وهو يبكي: "عائلتي فقيرة للغاية. والدي مزارع ولدي خمسة أشقاء".
في مستشفى رأس العارة، جلس أربعة رجال كانوا أشبه بأموات خرجوا لتوهم من القبور، يتناولون الأرز من وعاء بأنامل ذابلة. وقد برزت عظامهم، وغارت عيونهم وشحب جلدهم. كان جلوسهم على قطعة قماش مطوية مؤلما للغاية بالنسبة لهم. وقالوا إن المهربين سجنوهم لعدة أشهر، وكانوا يطعمونهم مرة واحدة في اليوم بقطع من الخبز ورشفة من الماء.
"لا أملك من حطام الدنيا شيئا"
عبده ياسين، 23 سنة، قال إنه اتفق مع المهربين في إثيوبيا على دفع حوالي 600 دولار للرحلة بأكملها عبر اليمن إلى الحدود السعودية. لكن عندما هبط في رأس العارة، تم إحضاره إلى حوش يضم 71 شخصا آخر، وطلب المهربون 1600 دولار.
بكى وهو يصف كيف احتجز لمدة خمسة أشهر. وعرض علامات على جلده وظهره، وندبات على ساقيه حيث تعرض للكي. وقال إن إصبعه كسر بعد أن حطموه بصخرة. وفي أحد الأيام، ربطوه من ساقيه وعلقوه رأسا على عقب "مثل خروف ذبيح."
لكن الأسوأ كان الجوع. وقال "نتيجة الجوع، لم أتمكن من الوقوف. لم أغير ملابسي منذ ستة أشهر. لم أغتسل. ولا أملك من حطام الدنيا شيئا."
- المقالات
- حوارات