تسببت وفاة نجم كرة القدم العراقي أحمد راضي في إحداث صدمة داخل العراق وخارجه، نتيجة الأحداث المتسارعة التي ترافقت مع إصابته بفيروس كورونا المستجد ولم تمهله سوى أيام قلائل ليفارق الحياة داخل أحد مستشفيات بغداد.
لكن الصدمة الأكبر ربما كانت بعد وفاة راضي عندما انبرى بعض الأشخاص، ومنهم من كان مسؤولا في الدولة، بالتشفي من صاحب هدف العراق الوحيد في نهائيات كأس العالم، لأسباب تتعلق بعقيدته الدينية وانتمائه الطائفي، مما أثار حفيظة الكثير من العراقيين على اختلاف مشاربهم.
أبرز هذه الأحداث كانت منشورا على فيسبوك لشاعر عراقي يدعى حسين القاصد ويعمل مديرا عاما في وزارة الثقافة العراقية، حاول من خلاله الإساءة لأحمد راضي والتلميح إلى أنه لن يترحم عليه بسبب طائفته.
وبعد أن أثارت الحادثة جدلا واسعا ولغطا على مواقع التواصل الاجتماعي وفي وسائل الإعلام العراقية حاولت السلطات التخفيف من حدة الأزمة عندما أدانت تصريحات القاصد وأقالته من منصبه وعبرت عن رفضها "لكل أشكال الاستهانة بأرواح العراقيين على اختلاف توجهاتهم الفكرية والعقائدية".
وقال المحلل والخبير الأمني هشام الهاشمي في تغريدة إن القاصد "أظهر كراهيته للراحل أحمد راضي، ومن أجل المحافظة على السلم الاجتماعي تم إعفاؤه من منصبه وإلغاء تكليفه".
وأحمد راضي، المتحدر من مدينة البصرة أقصى جنوب العراق، ينتمي لعشيرة الصالحي، وهي عشيرة مختلطة تضم شيعة وسنة.
وفي لقاء متلفز نشر قبل عدة سنوات رفض راضي اعتباره سنيا أو شيعيا، وقال إنه لا "يفرق بين المذهبين الإسلاميين فهو شيعي إذا كان الأمر يتعلق بحب أهل البيت، وسني في احترام صحابة النبي".
ويضيف راضي أنه "الوحيد من بين أخوته الذي كان يقيم الصلاة وفق المذهب السني بينما أخوته كانوا جميعهم شيعة".
ويتابع راضي "أنا لم اتحول من المذهب الشيعي إلى السني، بل بدأت عقيدتي وصلاتي وفقا للمذهب السني".
وتشابه حالة راضي حالات الكثير من العائلات العراقية، حيث العشائر المختلطة (شيعة وسنة) تنتشر من جنوب العراق إلى شماله، والتزاوج بين الطائفتين مستمر لغاية اليوم ولو بشكل أقل عما كان عليه إبان اندلاع العنف الطائفي بعد عام 2006.
كما أن زيارة المراقد المقدسة في العراق، سواء الشيعية منها أو السنية، لا تقتصر على طائفة واحدة.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي العراقي سرمد الطائي إن "كلام أحمد راضي هو صيغة عميقة للاستقرار الاجتماعي والثقافي في بلد مثل العراق".
ويضيف في حديث لـموقع "الحرة" أن "صيغة التشييع لدى العراقيين ليست طائفية كما هي في إيران وجانبها المتشدد، فهم سنة في جوانب كثيرة، مثلما أن السنة العراقيين متميزون عن تطرف التيارات السنية في بقاع أخرى من العالم، ويكادون يوصفون بأنهم شيعة".
ويتابع الطائي أن "متشددي السنة أو الشيعة يحاولون تخريب النقاش الوطني، لكن معظم العراقيين المؤمنين ينتجون فكر التعايش والاعتدال بينهم ومع إخوتهم من مسيح العراق ويهوده وصابئته وإيزيدييه وسواهم من معتقدات عريقة، ويمنعون الحمقى من تخريبها أو استخدامها لتدمير المشروع التاريخي للعراقيين، وهو التنوع والوساطة الثقافية بين جهات العالم الأربعة منذ القدم".
يرى الطائي أن ما جرى من استهداف لأحمد راضي وقبله لشباب الاحتجاجات "يمثل صراعا مع تيار أحمق يطلق الرصاص، ويصادر فرص العراق العظيمة في التقدم ويريد أن يضع العراقيين تحت رحمة مشاريع داعشية وشبه داعشية وإيرانية وحسن نصرلاهية مزيفة وكاذبة".
ويقول الطائي إن "شباب تشرين والكابتن أحمد راضي وشهداء العراق في الحرب ضد الإرهاب، جميعهم يؤمنون بعظمة العراق وفرصته الكبيرة، وكل أحمق ينال منهم سيذهب جفاء كما الزبد لأن هذه قاعدة التاريخ".
ومع ذلك يحذر الطائي من أن العراقيين المعتدلين يواجهون "نفس القناص ونفس الرصاصة في صدر أحمد راضي أو في صدر كل القوى الوطنية العراقية المعتدلة، تنطلق من تيار أحمق، لتصيب تيار الاعتدال العراقي في المجتمع والفكر والسياسة والسيادة".
وتوفي راضي (56 عاما) الأحد الماضي بسبب فيروس كورونا المستجد، في حادثة أثارت ردود فعل غاضبة في أوساط العراقيين، حيث كانت تجري ترتيبات لنقله إلى العاصمة الأردنية عمان لاستكمال علاجه حيث تستقر عائلته، إلا أن الموت كان أسرع من الطائرة الطبية المستأجرة من تركيا والمخصصة لنقله في عصر نفس اليوم الذي توفي فيه.
ولراضي ثلاث بنات وولد وتستقر عائلته في العاصمة الأردنية عمان التي عاد منها إلى العراق في مارس الماضي، بعد أن تم طرح اسمه مرشحا لحقيبة وزارة الشباب والرياضة، لكنه اضطر للبقاء في بغداد بعد إغلاق الحدود وتوقف رحلات الطيران.
وبرزت مواهب راضي في الثمانينيات والتسعينيات حيث قاد فريق بلاده إلى نهائيات مونديال المكسيك 1986، حيث نجح بتسجيل الهدف الوحيد لبلاده في كأس العالم في مرمى بلجيكا.
- المقالات
- حوارات