
ميونيخ — جدد فخامة الرئيس الدكتور رشاد محمد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي ، دعوته للمجتمع الدولي إلى تطوير شراكة استراتيجية شاملة مع الحكومة اليمنية على كافة المستويات، بما في ذلك المحور الدفاعي، لخلق معادلة ردع "يمنية-دولية" ضد السلوك الإرهابي لجماعة الحوثي. وأكد الرئيس أن هذه المعادلة ستتيح للحكومة اليمنية والمجتمع الدولي معاً ردع السلوك الحوثي الإرهابي وإجباره على الانخراط في عملية سياسية ذات مصداقية تقود إلى سلام دائم وشامل.
وفي كلمة له خلال لقاء المائدة المستديرة الذي نظمه مركز حلف شمال الأطلسي (الناتو) حول أمن الممرات المائية، قال الرئيس العليمي إن إنهاء التهديد الحوثي لن يتم إلا إذا تعرضت الجماعة لهزيمة استراتيجية تجردها من موارد قوتها الأساسية: "المال، الأرض، والسلاح". وأضاف: "أما ردع الحوثيين فيتطلب استشعارهم بجدية المجتمع الدولي في تقويض هيمنتهم ونمو قوتهم، وهو ما يستدعي الاستثمار طويل الأمد في تقوية الدولة اليمنية وسلطتها الشرعية".
إعادة تعريف الحوثي كتهديد دائم
شدد فخامته على أن العمل الدولي الفعال لإنهاء التهديدات الإرهابية في اليمن يتطلب إعادة تعريف الحوثيين كتهديد دائم وليس مؤقتًا. وأوضح أن هذه المليشيات، حتى لو أوقفت هجماتها بشكل مؤقت، ستظل مستعدة دائمًا لاستئناف عملياتها الإرهابية التي تزعزع الأمن الإقليمي والدولي عند أي دورة صراع قادمة في المنطقة. وقال: "اللغة الوحيدة التي يفهمها الحوثيون هي الضغوط القصوى، وليس تقديم الحوافز".
وجدد الرئيس التزام التحالف الوطني التعددي، الذي يمثله مجلس القيادة الرئاسي، باستكمال المعركة الوجودية للشعب اليمني ضد "الفاشية الحوثية"، التي تتمسك برفضها القاطع لخيارات السلام وعدم الاعتراف بقيم الشراكة والتعايش. وأشار إلى أن قصور الاستجابة الدولية للتهديدات المتنامية في اليمن لم يكن بسبب شحة الموارد أو انعدام الوسائل، بل بسبب غموض المقاربة الاستراتيجية الجماعية.
أخطاء المجتمع الدولي
أوضح الرئيس العليمي أن المجتمع الدولي بنى استجابته تجاه الحوثيين انطلاقًا من ثلاثة مبادئ خاطئة: اعتبار الحوثيين تهديدًا مؤقتًا، والاعتقاد بأن عملياتهم الإرهابية مرتبطة بالقضية الفلسطينية في غزة، والتركيز على عسكرة البحر الأحمر بدلاً من تغيير ميزان القوى على البر اليمني. كما انتقد نهج الاحتواء الذي اتبعه المجتمع الدولي، مشيرًا إلى أن الضربات الهجومية الموضعية كانت محدودة التأثير تكتيكيًا ومنعدمة استراتيجيًا، ولم تنجح في تغيير سلوك الحوثيين أو تأمين الملاحة البحرية بشكل كافٍ.
وأعرب عن أسفه لاستجابة بعض الدول الفاعلة لابتزاز الحوثيين عبر تقديم حوافز بدلاً من ممارسة الضغوط اللازمة. وقال: "هذا النهج يعزز من قدرة الحوثيين على الاستمرار في تهديد الأمن الإقليمي والدولي".
إيران والحوثيون: محور التهديد
حذر الرئيس العليمي من أن إيران، بعد خسارتها النفوذ في سوريا ولبنان، تسعى الآن إلى تعظيم استثماراتها في جماعة الحوثي وتطوير قدراتهم العسكرية بهدف استنزاف الموارد والمصالح العربية وتعزيز هيمنتها على مضائق الشرق الأوسط. وأشار إلى أن طهران تعمل على فرض "حظر الوصول" في باب المندب وقناة السويس، بالإضافة إلى وجودها المباشر في مضيق هرمز.
واعتبر أن الساحة اليمنية تمثل "المحك الأساسي" لتغيير سلوك النظام الإيراني. وقال: "بقدر ما يتم التغاضي عن الحوثيين، تظل طهران قادرة على ممارسة أدوار تخريبية وتصعيدية في الإقليم. وبقدر ما يتم العمل على تقويض الحوثيين، يكون الإقليم أكثر جاهزية لصياغة تسويات كبرى واستعادة الاستقرار والأمن المستدام".
اليمن والقرن الأفريقي: فضاء جيوسياسي واحد
تطرق الرئيس العليمي إلى العلاقة بين اليمن والقرن الأفريقي، مؤكدًا أن الأحداث الأخيرة أثبتت أنهما يشكلان فضاءً جيوسياسيًا واحدًا. ومع ذلك، أشار إلى أن الجماعات الإرهابية والإجرامية تستوعب هذه الحقيقة أكثر من الدول. وأوضح أن السلوك الإرهابي للحوثيين أثر سلبًا على أمن القرن الأفريقي، حيث شهدت المنطقة عودة القرصنة بوتيرة متصاعدة منذ نهاية عام 2023، خاصة بعد نجاح الحوثيين في اختطاف السفينة التجارية "جلاكسي ليدر".
وأضاف أن الحوثيين أصبحوا نموذجًا يحتذى به بالنسبة لجماعات مثل القاعدة وداعش في الصومال، مما عزز التعاون بينهم وبين حركة الشباب الإرهابية. وأشار إلى أن الحوثيين يسعون أيضًا إلى تصدير السلاح إلى الصومال، بما في ذلك الأسلحة الإيرانية المتطورة، ودخول خط الاتجار بالبشر عبر تأمين ورعاية خطوط تهريب المهاجرين نحو دول الخليج وأوروبا.
دعوة إلى منظومة أمنية إقليمية
عبر الرئيس العليمي عن أسفه لاستمرار غياب هذا التشابك الوثيق بين اليمن والقرن الأفريقي عن منظور المجتمع الدولي. وقال إن استعادة الأمن في منطقة البحر الأحمر يبدأ من سواحله الجنوبية، وهو ما يتطلب ترتيبات متكاملة على ضفتي باب المندب. وأكد أن اليمن والقرن الأفريقي يمثلان "الاختبار الأكبر" اليوم لإمكانية بناء منظومة أمنية إقليمية ودولية تنهي حالة الهشاشة والفراغ في منطقة البحر الأحمر وباب المندب.
منظور استراتيجي أوسع
اختتم الرئيس كلمته بالتأكيد على أهمية تبني المجتمع الدولي منظورًا استراتيجيًا أوسع حول العلاقات بين اليمن والقرن الأفريقي. وقال: "في حال جرى ذلك، فإن الحديث عن دعم الدولة اليمنية لا يصبح ضرورة حيوية لردع الحوثيين وتقويض إيران فقط، بل يصبح مكونًا أساسيًا في استثمار استراتيجي طويل الأمد لتحقيق الاستقرار الإقليمي".

- المقالات
- حوارات