إن برامج العمل السياسي وما صدر عن المؤتمر الشعبي العام من دراسات وبحوث حول مفاهيم الميثاق الوطني فصلت الحديث عن كل ما يتصل ببناء منظمات المجتمع المدني. إفراد دراسات مستقلة عن كل من مفهوم الحرية، ومفهوم الديمقراطية، ومفهوم العدل الاجتماعي، ومفهوم الاقتصاد، وشمولية الإسلام في الميثاق الوطني.
وكل برامج العمل السياسي للمؤتمر تطرقت إلى الجوانب التنفيذية، والتي بموجبها تولت حكومات المؤتمر بأجهزتها التنفيذية أثناء حكم المؤتمر الشعبي العام تحويلها إلى برامج تفصيلية بهدف تنفيذها، وإلى جانب الجوانب النظرية والتنظيرية، كما تولت تكوينات المؤتمر الشعبي العام الاضطلاع بها بالتوعية السياسية وتكريسها في السلوك التنظيمي، وفي رعايتها في المجتمع بما يعزز مسيرة بناء المجتمع المدني، وذلك من خلال إقامة المحاضرات والندوات وورش العمل، وعقد المؤتمرات، وإصدار الدراسات والبحوث والتعميمات السياسية.
التوعية السياسية
إن تلك البرامج أوكلت معظم مهامها في التوعية السياسية إلى معهد الميثاق الوطني، وبالتنسيق مع الأمانة العامة للمؤتمر وفروع المؤتمر في المحافظات، أو إلى فعاليات مختلف تكوينات المؤتمر، القيادية والوسطية والقاعدية، حيث عملت جميعها على أساس من الجمع بين الانطلاق من المبادئ الميثاقية، وبين السعي نحو الأهداف في حركة واعية ومستنيرة تعمل على إحداث التغيير وتحقيق التقدم المنشود الذي لا يتم إلا ببناء المجتمع المدني على أسس سليمة، وذلك من خلال تعزيز أوجه الشراكة مع منظمات المجتمع المدني، وإزالة العقبات للارتقاء بدورها إلى دور الشريك الرئيس في تحديد احتياجات التنمية.
تشجيع المشاركة
ومن يقرأ برامج العمل السياسي وأدبيات المؤتمر سيجد في نصوصهما تشجيع مشاركة منظمات المجتمع المدني في رسم السياسات ومتابعة تنفيذ الخطط والبرامج التنموية جنباً إلى جنب مع الجهات الحكومية المعنية، وتعزيز دور المنظمات في نشر الوعي حول القضايا السكانية والحقوقية وقضايا التنمية المختلفة.
صناعة القرار
والميثاق الوطني استوعب في مقدمته وجميع أبوابه وخاتمته المفهوم الصحيح للمجتمع المدني، وذلك من خلال ما اشتملت عليه مضامين الميثاق من القيم والأخلاق التي يتأسس عليها بناء المجتمع المدني والدور المناط به في المشاركة السياسية والشعبية في صنع القرار، وفي بناء الدولة الحديثة دولة المؤسسات والنظام والقانون.
الدور النضالي
إن مقدمة (الميثاق الوطني) تطرقت للدور النضالي التاريخي للحركة الوطنية ضد الاستبداد والاستعمار حتى انتصرت إرادة الشعب بقيام الثورة اليمنية، ثم بمواصلة النضال في الدفاع عن الثورة والنظام الجمهوري، واستحقاقات الوحدة، والتغلب على معوقات استعادة الوحدة الوطنية.
رسالة حضارية
حيث ثبت الميثاق الوطني في مقدمته الحقائق الخمس مبادئ وقيم وأسس بناء المجتمع المدني التي بتوفرها تستقيم نظرة شعبنا إلى المستقبل مثلما أمكن له بها صناعة حضارته القديمة، وانطلاقه في أداء الرسالة الحضارية الإنسانية على نطاق جغرافي امتدت رقعته بين الصين والأندلس.
إطلاق الحريات
واشتملت هذه الحقائق الخمس على الشورى والديمقراطية والمشاركة الشعبية في صنع القرار، والتي تنطوي على الحرية المسؤولة من قبل الجميع، وتطبيق العدالة الاجتماعية، وترسيخ الوحدة الوطنية، ورفض أشكال الاستغلال والظلم، كما أضفى الباب الأول في الميثاق أيضاً: الإسلام عقيدة وشريعة، على المبادئ والقيم آنفة الذكر بعداً روحياًّ وأخلاقياًّ ضابطاً لاستقامة البنية الاجتماعية بجملة من المعايير لسير الحياة اجتماعياًّ وسياسياً واقتصادياً وثقافياً.
الدعم المادي والمعنوي
لقد كان المؤتمر الشعبي العام سباقاً في دعم منظمات المجتمع وظهورها على أرض الواقع، وقد تجلى ذلك الدعم بإيقاف الملاحقات التي كانت تحدث في عهود سابقة للنشطاء، إلى جانب دعمها مادياً ومعنوياً، سواء فيما يخص مؤتمرات التأسيس أو توفير المقرات أو عقد الدورات التدريبية والتأهيلية لكوادر وقيادات منظمات المجتمع المدني داخل اليمن وخارجها، إضافة إلى سن القوانين التي تدفع باتجاه تأسيس وإيجاد مجتمع مدني ديمقراطي شريك رئيس في صنع القرار وفي التنمية وفي مختلف المواقع والمناحي.
عهد جديد
وفي ظني لا يقدر أي شخص منصف أن ينكر ما تحقق للمجتمع المدني من نجاحات وحضور في ظل قيادة المؤتمر الشعبي العام للعمل السياسي الذي كان تأسيسه إيذاناً بميلاد عهد جديد عناوينه البارزة الحرية والديمقراطية والعمل، أو قل خلق وتخلّق المجتمع المدني المتنور.
الارتباط بالتراث الحضاري
إن العمل المدني في فكر المؤتمر وأدبياته مرتبط ابتداء بتراثنا الحضاري والفكري والتشريعي، وهو بمضامينه ضرورة توجب الالتزام بها، ويقع على الجميع إثم التقصير بها أو التخلي عنها، وهذه المضامين تشمل: (الحرية والمساواة والديمقراطية والعدل الاجتماعي وتكافؤ الفرص، والمشاركة في صنع القرار).
الميلاد الحقيقي للمجتمع المدني
ولو عدنا إلى الفترة التي أعقبت مباشرة تأسيس المؤتمر الشعبي العام وقرأنا أيضاً الميثاق الوطني وأدبيات المؤتمر الشعبي العام وبرامجه وكذا واقع الحال منذ 1983م وحتى 1990م كمرحلة أولى، وما بعد 1990م كمرحلة ثانية سنجد أن المؤتمر الشعبي العام كان الميلاد الحقيقي والانطلاقة الحقيقية للمجتمع المدني والعمل معنى ومبنى، حيث ساهم نهج المؤتمر وقيمه وسلوكه في إيجاد مناخات ملائمة وبيئة خصبة لتوالد وتواجد المنظمات المدنية التي لم تسجل قبل ذلك التاريخ الحضور كماً وكيفاً، ففي عهد المؤتمر لم يلاحق أحد أو يسجن أحد أو يضيق الخناق على أحد.
ونسرد لذلك أمثلة: كانت مطبوعات وإصدارات المنظمات والنقابات تطبع في مطابع ومؤسسات الدولة، وكذلك في المطابع والمؤسسات الأهلية على حد سواء، ولا يوجد عليها أية رقابة أو مصادرة، كذلك النشطاء السياسيين والنشطاء في مجال العمل المدني ومنذ تأسيس المؤتمر كانوا يقيمون فعالياتهم ولقاءاتهم في أكثر من مدينة ومكان ولم يحدث لهم شيء، إضافة لمشاركاتهم الخارجية في مختلف الفعاليات والمهرجانات التي كانوا يعودون منها عبر المنافذ الرسمية ولم يتعرضوا للمساءلة أبداً، وكذلك المطبوعات والكتيبات والإصدارات الخاصة بالمنظمات المدنية والنقابات والاتحادات العربية والدولية كانت تدخل إلى البلاد أولاً بأول دون أن يكون عليها أية رقابة أو مساءلة، في الوقت التي كانت فيه معظم الشعوب تعاني كبتاً وتضييقاً في العمل المدني والسياسي وغيرهما.
وختاما إن بناء المجتمع المدني على نحو صحيح تأكيد لإنسانية المواطن، ومواطنيته، وشعوره بوجوده وكرامته، وتمكين له من أخذ مصيره بيده في جميع مجالات الحياة.
- المقالات
- حوارات