يتابع الغرب بقلق محاولات تنظيم القاعدة في اليمن لإحياء وجوده في البلاد، لاسيما بعد ترحيبه بسيطرة حركة طالبان على أفغانستان، ما يدفع الخبراء إلى توقع هجمات قد يشنها التنظيم في أي لحظة ضد مصالح الغرب في المنطقة.
وتقول إليزابيث كيندال الخبيرة في شؤون اليمن والجماعات الجهادية إن “تنظيم القاعدة متدهور ومتشرذم ويفتقر إلى قادة من الكفاءات العالية، لكن طموحه لا يزال قائما. لذلك مازال تهديده للغرب قائما. وعلينا أن نكون حذرين حقا”.
الطموح ما زال قائما
وأضافت كيندال: “لا أرى الجماعة في الوقت الحالي في موقع جيّد للقيادة والسيطرة على الهجمات في الغرب، لكن بإمكانها الاستلهام من أحداث سابقة وهو ما يذكرنا بإطلاق النار في قاعدة بينساكولا البحرية في نهاية ديسمبر 2019. وكان ذلك من قبل سعودي استهدف أفرادا عسكريين أميركيين وكانت له صلات مباشرة بالقاعدة في جزيرة العرب. وفي وقت سابق من هذا العام ظهر زعيم القاعدة في شبه جزيرة العرب -والذي كان الجميع يتصور أنه أُلقي عليه القبض، وفقا لتقرير للأمم المتحدة في شريط فيديو بعنوان ‘أميركا والاستيلاء المؤلم’- وهو يغطبت باقتحام مبنى الكابيتول الأميركي”.
وتابعت “في هذا الصيف فقط أعاد تنظيم القاعدة إحياء مجلته الإلكترونية ‘إلهام’ في محاولة لتشجيع الهجمات داخل الغرب. لذلك يمكن القول إن الطموح مازال قائما. وأتوقع هجوما بحريا قبالة سواحل اليمن. والسبب في ذلك أن الهجمات البحرية توفر هدفا دوليا دون الحاجة للسفر إلى الخارج”.
ويبلغ طول الساحل اليمني حوالي ألفي كيلومتر، ومن المعروف أنه من الصعب السيطرة عليه وهو ما يعرف تنظيم القاعدة جيدا كيف يستغله.
وتستحضر الخبيرة في الجماعات الجهادية كيف أن التنظيم “استهدف ‘یو أس أس سولیفانز’ و’یو أس أس كول’ في 2000، وناقلة نفط فرنسية في 2002″، مشيرة إلى أنه “يعرف فوائد مثل هذا الهجوم جيدا: رفع أقساط التأمين، ورفع أسعار النفط، وتوليد عاصفة إعلامية، وخلق تقلبات اقتصادية”.
وعلى عكس التوقعات بشأن تراجع القاعدة بعد سيطرة طالبان على أفغانستان ترى إليزابيث كيندال أن “هذه الكارثة في أفغانستان قد تمنح تنظيم القاعدة في أفغانستان فرصة حياة جديدة على الرغم مما تقوله طالبان. ومن الواضح أنه سعيد للغاية بما يعتبره حقبة جديدة من الجهاد. وقد رأينا بالفعل قصائد وأناشيد تشيد بطالبان. وأعتقد أنه تجدر الإشارة إلى الفارق الكبير بين اليوم والمشهد قبل 20 سنة، على الرغم من أن هذا الوضع يمكن أن يوفر لهم مساحة للتدريب أو لإعادة تجميع صفوفهم. أو ربما تجنب الاكتشاف أو الاهتمام. فنحن نراقب أفغانستان هذه المرة، ولسنا غافلين تماما عما يجري”.
ويستغل التنظيم فرصة عدم الاستقرار التي يعيشها اليمن بالإضافة إلى الفقر المنتشر في كافة أنحائه لتقوية شوكته وتعميق نفوذه. ويتساءل مراقبون عن سبب فشل الضربات الأميركية في إنهاء وجود القاعدة في البلاد، وخاصة أن التنظيم بدأ مند نحو عشرين سنة.
وتجيب كيندال عن هذه التساؤلات في مقابلة مع موقع “عرب دايجست” بالقول: “صحيح أنهم تلقوا ضربات قاصمة بضربات الطائرات دون طيار. ويجب أن أذكر أن الضربة الأولى التي شُنّت بطائرة دون طيار في اليمن كانت في الواقع عام 2002 في عهد الرئيس جورج بوش. وقتل أحد مهندسي تفجير السفينة الحربية الأميركية يو أس أس كول، إلى جانب خمسة آخرين. وكان حدث قتل أنور العولقي في غارة بطائرة دون طيار في 2011 الأكثر شهرة واستمرت ضربات الطائرات دون طيار دون انقطاع، وبلغت ذروتها في 2017، حيث قضت على 120 شخصا في ذلك العام في عهد الرئيس دونالد ترامب”. وتلفت الخبيرة في شؤون الجماعات المحلية إلى حالة التطبيع السائدة حاليا مع تلك الضربات التي لم تعد تثير الاهتمام وباتت “طبيعية الآن”.
الضربات سيف ذو حدين
تضيف كيندال: “بالعودة إلى 2002 عند أول ضربة بطائرة دون طيار، ومرة أخرى في عام 2011 مع أنور العولقي الذي يحمل الجنسية الأميركية، كان رد الفعل صاخبا. كان هناك الكثير من الجدل حوله. والآن أشعر بأننا أصبحنا غير حساسين. إنه الوضع الطبيعي الجديد”
وبشأن مدى فاعلية تلك الضربات تقول “في تحطيم القاعدة أرى أن هذا سيف ذو حدين؛ فمن ناحية تولد ضربات الطائرات دون طيار حلقات جديدة من الانتقام، لاسيما عندما تخطئ في إصابة الهدف وتقتل أبرياء. لكن من ناحية أخرى ليس هناك ما يدحض حقيقة أن تنظيم القاعدة قد تدهور بشكل كبير نتيجة لذلك. هذا يعني أنه كان هناك دوران مستمر للقادة مع صعود أشخاص جدد في مواقع أولئك الذين تعرضوا لهجمات الطائرات دون طيار. لكنهم ليسوا من ذوي الخبرة الكبيرة، حيث تقلصت مجموعة قدامى محاربي الجهاد الأفغاني في الثمانينات. وهذا يعني أن تنظيم القاعدة لا يستطيع إدارة دورات القيادة أو البرامج التدريبية لأنه ضعيف للغاية. ولا يمكنه أن يواصل فرض حظر على نفسه في نهاية 2017: لا إنترنت، ولا استخدام للهاتف المحمول. ويعني ذلك أن الشكوك تتفاقم، وجميعهم يشتبهون في بعضهم البعض. من يخدعنا؟ من هو الذي يضع أجهزة التتبع على سياراتنا؟”.
وعاد التنظيم للظهور مجددا في اليمن خلال الفترة الماضية بعد مرحلة من التواري النسبي. وانتبهت الخارجية الأميركية لهذا الخطر عندما أعلنت في يونيو عن رصد مكافأة مالية قدرها 5 ملايين دولار مقابل الحصول على معلومات بخصوص القيادي البارز في تنظيم القاعدة في اليمن خالد باطرفي.
استغلال عدم الاستقرار
أشار تقرير صادر عن مؤسسة “ماعت للسلام والتنمية” في يوليو الماضي إلى أنه “بعدما خفت دوره وتوارى نسبياً في منطقة الشرق الأوسط وفي اليمن على وجه التحديد عاد تنظيم القاعدة في الربع الثاني من 2021 للظهور من جديد في اليمن، ليتبنى نحو 5 عمليات إرهابية واسعة ضد طرفي النزاع المسلح”.
وبحسب التقرير فإن المحاولات المتمثلة في إيقاظ تنظيم القاعدة لنشاطه في اليمن ليست مجرد تكهنات، حيث أكد على ذلك أيضا في مارس 2021 مسؤولون في المخابرات اليمنية أفادوا بأن التنظيم درب مقاتلين لتنفيذ مهام إرهابية ويحاول تشبيك العلاقات مع القبائل المحلية في اليمن.
وتعتقد إليزابيث كيندال أن “نهوض تنظيم القاعدة في اليمن احتمال حقيقي. وهذا ليس وقتا للتراخي. أعتقد أننا نحتاج أن نضع في اعتبارنا أن هذا النوع من الأيديولوجيا المتطرفة لا يختفي أبدا. وقد يختفي تحت الأرض، وقد يتطور. لكن في النهاية لا يمكن إلا التعامل معه، وليس محوه. وربما هناك شيئان يدعوان إلى القلق؛ الأول هو أن الأمور التي تجعل تنظيم القاعدة ضعيفا للغاية الآن تعني أيضا أنه من الصعب مراقبته، وأنه مجبر على تكوين أنواع مختلفة من التحالفات لتحمله. وهذا يجعل تعريفه أكثر صعوبة. ما هو تنظيم القاعدة أم ما هو الآن؟ وبعد ذلك سيكون التحدي الحقيقي الثاني هو السلام. إذا تم التوسط في السلام في اليمن فمن الأفضل أن يكون تمثيليا. لأنه إذا لم يكن الأمر كذلك، فستكون هناك جيوب كبيرة من الأشخاص المحبطين والمستبعدين والذين يعانون من خيبات الأمل. ونحن نعلم أن لتنظيم القاعدة سجلا قويا في تحديد هذه الأنواع من المظالم المحلية ودمجها في روايته للجهاد العالمي”.
وتشرح إليزابيث كيندال أسباب تغلغل التنظيم في البلاد قائلة: “أعتقد أن هناك بعض العناصر الدائمة، وبعض دوافع التطرف طويلة المدى، مثل ضعف سيطرة الدولة، وعدم الاستقرار السياسي، والفساد المستشري، وعدد الشباب الكبير، وبالطبع جغرافية البلاد وتضاريسها وجبالها الوعرة وصحاريها. كما تسلسلت بعض الأحداث الخاصة التي ساعدت على تشكيل تنظيم القاعدة وترسيخه في اليمن؛ على سبيل المثال هرب 23 جهاديا من سجن صنعاء شديد الحراسة في 2006، مما أضفى حياة جديدة على المجموعة. وتزامن ذلك تقريبا مع حملة على المتطرفين في المملكة العربية السعودية، دفعت العديد منهم إلى الفرار عبر الحدود إلى اليمن. وبحلول 2009 اندمج فرعا القاعدة في السعودية واليمن، وهذا ما شكل القاعدة في جزيرة العرب. ثم جاءت في 2011 انتفاضة ما يسمى بالربيع العربي واستغل تنظيم القاعدة عدم الاستقرار هذا لإعلان دولة الإمارات الإسلامية في أجزاء من الجنوب في أبين وشبوة. كانت قصيرة العمر. ولكن في 2014 شهدنا استيلاء الحوثيين على السلطة مما أدى إلى الانزلاق إلى الحرب”.
وأضافت “كانت الحرب نعمة حقيقية لمسلحي الجهاد والقاعدة وتمكنوا من الاستفادة القصوى منها بجذورهم العميقة في اليمن. وجاء تدويل الحرب في 2015 بتدخل تحالف بقيادة السعودية لصد الحوثيين واستعادة الحكومة ليغذي الطائفية ونزوح الملايين من الأشخاص. فزادت الأزمة الإنسانية سوءا، حيث انتشرت الميليشيات المسلحة وتولّد الاستياء، لاسيما من التدخل الأجنبي المثير للجدل والتحليلات التي تروج شائعة استغلال الموارد اليمنية. وهكذا اندلعت شرارات جديدة كاملة من الانتقام. وتمكن تنظيم القاعدة من الاستفادة من كل ذلك. ويجب أن أضيف أنه شهد ضعفا خلال السنوات الأربع أو الخمس الماضية، لكنه لم يختف. ونعلم جميعا أن مجموعات الجهاد المتشددة تزدهر في مناطق الصراع وفي الدول الفاشلة”.
وتتقاسم كيندال مع العديد من الخبراء فكرة أن القضاء على المجموعات المتطرفة يجب أن يبدأ بالقضاء على أسبابه الاقتصادية وألا يقتصر على المواجهة العسكرية.
وتقول كيندال “في الحقيقة يمكننا التعلم من استراتيجية تنظيم القاعدة الخاصة، والطريقة التي كسب بها التعاطف كانت من خلال قائمة من أعمال تنمية المجتمع. وأعتقد في النهاية أنه لا يمكنك قتل الأفكار، ولكن يمكنك قتل دوافع التطرف عن طريق إزالتها من خلال الاستثمار في السكان ومنح الناس الأمل والتطلعات، وعن طريق إزالة الأسباب التي تجعلهم يشعرون بالحاجة إلى الانضمام إلى القاعدة. لذلك من المهم عدم الانتظار حتى تنتهي الحرب للاستثمار في المجتمعات اليمنية وبنائها وتعزيزها. يجب أن يحدث هذا الآن. يجب أن يحدث على نطاق أوسع الآن”.
- المقالات
- حوارات