"صنماً سيقانه من طين" عبارة أطلقها "أدولف هتلر" على الجيش الأحمر، بناها على دراسة موضوعية علمية أعلن على إثرها الحرب على السوفييت بعد تحقق وتأكد الاستخبارات الروسية من نواياه وأنه يخطط لاجتياح روسيا، بيد أن ستالين اعتمد على اتفاقٍ سريٍ عقده مع ادولف هتلر وأهمل تقارير الاستخبارات فكان مؤداه تقسيم المصالح وعدم اعتداء أحدهم على الآخر، تخلله تفاصل دقيقة لا يتسع المقام لذكرها لم يعلمها غيرهما غير أن "الوغد هتلر" غدر به وتلك العبارة التي أطلقها "جوزيف ستالين" عند اقتحام القوات الروسية للعاصمة برلين أريد الوغد حياً كي نحاكمه على جرائمه وغدره.
كلاهما كان لدية حمولةً زائدة، فَرضت اتفاقية "فرساي" التي عُقدت عام 1919م على ألمانيا شروط إذلال قاسية إثر هزيمتها في الحرب العالمية الأولى، استقطعت من أراضيها وجردتها من مستعمراتها، وفرضت عليها قيوداً تتعلق بالتصنيع العسكري، ومحدودية بناء الجيش الوطني ودفع تعويضات الحرب، فأشعل الألمان حرباً عالمية ثانية للتخلص من تلك الحمولة والعار.
سيطر هتلر على أوروبا في جولته الأولى من الحرب، ثم انثنى صوب الشرق وفي 22 من يونيو عام 1941م غدر بالجيش الأحمر واقتحم الحدود الروسية فكانت خسائره في الضربة الأولى 850 ألف قتيل وتدمير 6000 ألف دبابة وثماني عشر ألف مدفع 3500 طائرة وملايين الأسرى تفادى الروس الحرب بدايةً لإحباط الخطة التي أحاكتها الدول الغربية ضده، اختلت الموازين بعدها واختلطت أوراق اللعبة التي أحرقت بعد اشتعالها جميع الاطراف.
الحمولة الزائدة التي ألقاها الوغد وجيشه النازي على عاتق "ستالين" والجيش الأحمر كانت أيضاً ثقيلة، نهض على إثرها وتحول إلى مارد لم يقف إلا في منتصف برلين في 8 مايو 1945م خاض جبهة الشرق منفرداً مقابل جيوش الغرب التي كانت تزحف من الناحية الغربية وتحيك المكايد للإيقاع به، ثأر لنفسه وبحث عن الوغد كي يُلقي من على عاتقه حمولة عار اكتساح أراضيه، وإهانة شعبه وقتل ما يربوا على عشرين مليون روسي انتصر لشعبه وحقق كل ما أراد بفضل الجيش الروسي قيادات ضباطاً وأفراد.
تعتلج الأحداث في قلوب الشعوب وتستعر الدماء في شرايينها عقوداً ثم تنفجر في لحظة تُلقي من على كواهلها حمولات الظلم القهر تسحق الأصنام وتكتسح الطغيان، ولا يسأل الثائر عن سنين غليان ثورته كما لا يسأل الكاتب عن عمر كتابته التي تنفجر بعد غليان سنين القراءة العميقة والبحث ونضج الفكر واستواء الذات، الأحداث الثورية ذاتها هي التي فجرت شاعرية الشاعر اللواء عثمان أبو ماهر المخلافي بعد سنين وفي مراحل عمره المتأخرة تحديداً بعد نزوله سجن القلعة تعسفاً بأمر من قائد القوات المصرية الداعمة للثورة حينها، الشاعرية الفذة التي نسجت القصائد الثورية التي ألهبت حماس الثوار المقاتلين في كل الميادين والقصائد العاطفية المغناة التي أذابت قلوب العشاق وأروت ظمأ كل المحبين في كل الدروب ولم ترتوي منها غير الدمى وحنشان الظمأ .
ثار الشعب اليمني ضد مخالب الإمامة وجيشها التقليدي الذي حمل شراسة الذئاب وامتهن سلوك الشياطين ضد شعب استنزفهم العذاب أدهاراً وقرون، هجاهم الشهيد الزبيري بقصيدةٍ حينها " وعسكريٌ بليد للأذى فطنٌ" القصيدة.. خصصها في زمانها لأولئك الأشرار واحتمى بضباط وعساكر ثورة السادس والعشرين من سبتمبر كي يحقق حلم الحرية وانتشال اليمن من غسق الليالي والظلام، ويحطم أصنام الطغاة بهم فكانوا النخبة التي اصطفاها الله من بين ملايين الدمى وسدنة معابد السلطان، فكانوا نواة لجيش الذي زها به الشعب اليمني فأنتج، الشهيد علي عبدالمغني وعبد الرقيب عبدالوهاب وعبدالله جزيلان، وعبدالله القوسي، والعمري، وعلي مثنى جبران، ومحمد صالح فرحان، والعوضي، والحمدي، والمخلافي وأمثالهم كُثُر، رحلوا عن الدنيا بعضهم لم يمتلك من الأرض التي حررها مقدار شبرٍ غير القبر الذي فيه نام نومته الأبدية.
عائشاً لازال البعض في عصر القصيدة ويسلك سلوك الشياطين موضوعها عَلِقتْ بذاكرته، ولم يقرأ كمثقف في المقابل قصيدة "رثاء شعب" للشاعر ذاته يرثي شريحة عريضة من شعبٍ خذل ثورة إنقاذه، وانثنى يلهث وراء أصنام الإمامة فقال "ماكنت أحسب أني سوف أرثيه وأن شعري إلى الدنيا سينعيه" إلى أن يقول "نبني لك الشرف العالي فتهدمه ونسحق الصنم الطاغي فتبنية".
حمولةٌ حقيقية زائدة من الجهل والشر والفقر ألقاها الأئمة على كواهل شعب تخلص منها بثورة عارمة تلك هي الحمولات الحقيقية التي يجب التخلص منها، وليست الصداقات والعلائق العابرة التي يؤخذ فيها ويرد، ولولا الدُمى التي اختبأ ورائها الأصنام كي يعودون ثانية يهجون من على المنابر الحوثية وحتى المواقع الصحفية ويسيئون لكل حرٍ وشريف بداية برجال العسكرية الذين قادوا اليمن: المشير عبدالله السلال، الحمدي، وسالمين، وصالح مصلح، وعلي عنتر، وعلي صالح، وعلي محسن وعبدالله علي عليوه، وغيرهم ونهاية بالذين سقطوا اليوم شهداء في كل جبهات الشرف الشدادي، القشيبي، بحيبح، اليافعي، وصادق مكرم، وغيرهم ومن لازال يقاتل، عدنان الحمادي، صادق سرحان، محسن الداعري، وفضل حسن، صالح طيمس، والصبيحي جواس وغيرهم الكثير دفاعاً عن شرف الأمة ومكتسباتها.
القدرة على لَي أعناق أحرف العربية الجميلة وتحويلها إلى مخالب تُدمي قلوب العباد ليست مهارة وليست كفاءة ترفع من شأن صاحبها، بقدر ما تفرق الناس من حوله وتزرع في قلوبهم العداء، توحش سَلَكه الكثير قديماً وحديثاً أقربهم مثالاً الشاعر الحُطيئة الذي هجى "الزبرقان بن بدر" بعد أن استضافه وأكرمه فشكاه إلى الخليفة عمر بن الخطاب، حبسه الفاروق عقاباً على تشهيره بأعلام الرجولة والجود، أرسل الحطيئة قصيدة من سجنه يستعطف بها الخليفة قائلاً " ماذا أقول لأفراخ بدي مَرَخٍ" القصيدة... رق له الفاروق وعندما أطلقه أخذ سكينا يحد شفرتها أمامه يوحي له أنه سيقطع لسانه، فَزِع الرجل وقال لا تؤاخذني يا أمير المؤمنين، والله أني قد هجوت بهذا اللسان أمي، وأبي، وزوجتي، ونفسي، استنشده عمر ماذا قال فيهم بعد أن أنشده ضحك الفاروق وأعطاه ثلاثة الاف درهم اشترى بها أعراض المسلمين شريطةَ ألا يعود للهجاء مرة أخرى، إلا أنه عاد لطبعه بعد استشهاد الخليفة كالكثير من مدمني الهجاء اليوم لأن الطبع كما قيل غلب التطبع، فصدق نبي الشعر المتنبي حيث يقول:
لكل داءٍ دواء يستطب به * إلا الحماقة أعيت من يداويها
- المقالات
- حوارات