روائي سوري يوصي بعدم إذاعة نبأ وفاته
2018/08/22
الساعة 12:53 مساءاً
(متابعات)
مع أنه أوصى بعدم إذاعة نبأ وفاته في أي وسيلة إعلامية بعد أن يلفظ النفس الأخير، إلا أنه ما إن أعلن خبر وفاة الكاتب السوري الكبير حنا مينة، صباح أمس الثلاثاء، عن عمر يناهز الرابعة والتسعين، حتى تناقلت النبأ المحزن غالبية وسائل الإعلام العربية والأوساط الثقافية. وكان صاحب «المصابيح الزرق» قد طلب في وصية كتبها عام 2008 ونشرها في الصحافة المحلية، أن يتم التعاطي مع نبأ موته ببساطة تشبهه. ومما جاء في الوصية:
«عندما ألفظ النفس الأخير، آمل، وأشدد على هذه الكلمة، ألا يذاع خبر موتي في أي وسيلة إعلامية، مقروءة أو مسموعة أو مرئية، فقد كنت بسيطاً في حياتي، وأرغب أن أكون بسيطاً في مماتي... لا حزن، لا بكاء، لا لباس أسود، لا للتعزيات، بأي شكل، ومن أي نوع، في البيت أو خارجه، ثم، وهذا هو الأهم، وأشدد: لا حفلة تأبين، فالذي سيقال بعد موتي، سمعته في حياتي، وهذه التآبين، وكما جرت العادات، منكرة، منفّرة، مسيئة إليَّ، أستغيث بكم جميعاً، أن تريحوا عظامي منها».
ولد حنا مينة في مدينة اللاذقية الساحلية عام 1924 من أسرة فقيرة هاجرت إلى مدينة السويدية في لواء إسكندرون من ثم إلى مدينة الإسكندرونة. عاش طفولته في حي «المستنقع»، الذي يصفه بأنه كان: «أمياً، متخلفاً، إلى درجة لا تصدق، لم يكن في حي المستنقع كله، من يقرأ ويكتب، كان سكان هذا الحي، والأحياء المجاورة من المعذبين في الأرض، الباحثين دون جدوى، عن الخلاص، وعن العدالة الاجتماعية التي لا يعرفون اسمها بعد!!».
في هذا الوسط الاجتماعي أتيح لحنا مينا دراسة الابتدائية فقط، وأنهاها عام 1936، وتحت وطأة الفقر انصرف للعمل في سن مبكرة، فالأب كان حمالاً في المرفأ، وأحياناً بائعاً للحلوى، أو أجيراً في بستان، وكثيراً ما كان يترك عائلته ويرحل إلى مجهول، تاركاً خلفه زوجة وثلاث بنات يعملن بالخدمة في البيوت وطفلاً وحيداً نحيلاً يعاني سوء التغذية، ويبحث عن أعمال تناسب قدراته كتلك التي كان يؤديها في خدمة الكنيسة التي كانت بدورها تقدم إعانة للعائلة الفقيرة. ومما يرويه حنا مينا عن تلك الفترة: «كنت أقوم مع بعض أطفال المدرسة بالخدمة في الكنيسة، وفي باحة المدرسة والكنيسة كانت ثمة قبور يونانية قديمة، وعلى أحدها كان مجلسي في ساعات الضيق والغربة، والجوع في أحيان غير قليلة، على هذا القبر تعلمت أن أحلم بالمدينة الفاضلة قبل أن أعرف اسمها، وبالحب قبل أن أبلغ السن التي يحق فيها لمثلي أن يحب»، إلى أن يقول: «كنت أحسد الكلب لأن له مأوى».
في إسكندرونة عمل في دكان حلاق ومكنته معرفة القراء والكتابة في بيئة غالبيتها من الأميين، من كتابة الرسائل والخطابات والعرائض. وكان هذا الباب الذي ولج منه لاحقاً إلى عالم الكتابة الأدبية، إذ تبدت حينها مواهبه في الكتابة، وجرفته تلك البدايات نحو المعترك السياسي ليدخله عبر الحزب الشيوعي بشعاراته التي عبرت عن طبقة الفقراء والكادحين التي نشأ في رحمها حنا مينا. ومن لواء إسكندرون لدى استيلاء تركيا عليها عام 1939 هرب إلى اللاذقية، وهناك عمل حمّالاً في المرفأ. وعمل مع رفاقه على تأسيس نقابة في المرفأ، في الوقت الذي كان يبيع فيه في الشوارع، وعلناً، جريدة الحزب الشيوعي «صوت الشعب»، في تحد للقوى السياسية المهيمنة على الحياة السياسية، التي كانت تناصب الشيوعيين العداء، ما عرضه للملاحقة ولاعتداء بالسكين كاد يودي بحياته من قبل أزلام السلطة.
بعد دخول قوات «فرنسا الحرة» إلى سوريا في الحرب العالمية الثانية، تطوع في البحرية الفرنسية على أمل إرساله إلى العلمين، لقتال جيش رومل ذئب الصحراء، لكن لم يكن محظوظاً بذلك، فترك الخدمة جندياً في البحرية ليعمل بحاراً على المراكب الشراعية بين شواطئ المتوسط العربية، ومع أنها كانت فترة قصيرة، إلا أنها ستكون التجربة التي ستغني أهم أعماله الروائية عن عالم البحارة والبحر.
عاد إلى المرفأ ليجد البطالة والجوع بانتظاره فعمل عتالاً في المرفأ، ثم حلاقاً في دكان صغير على باب ثكنة في مدينة اللاذقية. بعد جلاء الانتداب وتحديداً عام 1948، انتقل للعيش في بيروت لكنه لم يمكث طويلاً، ليعود إلى دمشق ويستقر فيها، وكان قد بدأ يسلك طريق الأدب كاتباً أولى روايته «المصابيح الزرق» التي ستشكل منعطفاً مهماً في حياته.
في دمشق نشط في السياسة بالتوازي مع عمله في الصحافة، وتدرج ليصبح رئيس تحرير جريدة «الإنشاء»، كما تزوج آنذاك وأنجب 5 أولاد، بينهم صبيان هما سليم الذي توفي في الخمسينيات والآخر الممثل سعد أصغر أولاده، وثلاث بنات.
في عهد الوحدة المصرية ـ السورية، واشتداد القبضة البوليسية على النشاط الحزبي كان حنا مينا في عداد المطلوبين للمخابرات، فاضطر للفرار إلى بيروت ثم إلى المجر ومنها إلى الصين ليعود عام 1967 إلى اللاذقية ثم دمشق، ليعمل في كتابة المسلسلات الإذاعية قبل أن يعمل في وزارة الثقافة.
بعد رواية «المصابيح الزرق» التي لاقت رواجاً منقطع النظير محلياً وعربياً تدفقت أعماله ليكتب مجموعة من أهم الروايات العربية عن البحر ومجتمع البحر في منطقة الساحل السوري، ومنها: «المستنقع» و«بقايا صور» و«القطاف» و«الدقل» و«الشمس في يوم غائم» و«الشراع والعاصفة» و«حكاية بحار» و«البحر والسفينة وهي» و«المرفأ البعيد» و«حكاية بحار» و«الثلج يأتي من النافذة» و«الأبنوسة البيضاء» و«حمامة زرقاء في السحب» وغيرها من الروايات التي شكلت ظاهرة ضمن ما يعرف آنذاك بـ«أدب الواقعية الاشتراكية»، ولكنه كان يرفض الواقعية باعتبارها «مدرسة في التعبير الأدبي تأخذ الواقع كما هو، فالواقع في الحياة يصير واقعاً فنياً في العمل الأدبي»، كما كان يؤكد دائماً على أن الأديب يجب أن «يكون من لحم ودم وليس من حبر وورق»، وأن «لا شيء يجعل الأديب حياً، مثل أن يباشر الأحياء، ويخرج من وحدته البودليرية التي لا تتيح سوى السقم والأشباح، وأن التجربة بأوسع وأعمق معانيها، بكل أخلاقيتها ولا أخلاقيتها، هي التي تكسو هيكل الأديب باللحم، وهي التي تجعل الدم يجري في شرايينه، وبذلك تؤهّله لأن يكون خالقاً حياً».
ترك الراحل الكبير حنا مينة أكثر من 44 رواية، ترجمت إلى العديد من اللغات، وكثير منها تحول إلى أفلام سينمائية ومسلسلات درامية سورية.
- جوائز حصل عليها
> جائزة المجلس الأعلى للثقافة والآداب والعلوم بدمشق عن رواية «الشراع والعاصفة».
> جائزة سلطان العويس لمجمل أعماله على عطائه الروائي.
> جائزة المجلس الثقافي لجنوب إيطاليا، عن رواية «الشراع والعاصفة»، كأفضل رواية ترجمت إلى الإيطالية.
> جائزة «الكاتب العربي» التي يمنحها اتحاد الكتاب المصريين.
> وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة.
- من أعماله
> «المصابيح الزرق»، رواية، 1954.
> «الشراع والعاصفة»، رواية، 1966.
> «الثلج يأتي من النافذة»، رواية، 1969.
> «ناظم حكمت وقضايا أدبية وفكرية»، سيرة ودراسة، 1971.
> «الشمس في يوم غائم»، رواية، 1973.
> «الياطر»، رواية، 1975.
> «بقايا صور»، رواية، 1975.
> «المستنقع»، رواية، 1977.
> «المرصد»، رواية، 1980.
> «حكاية بحار»، رواية، 1981.
> «الدَّقل»، رواية، 1982.
> «هواجس في التجربة الروائية»، خواطر وتأملات، 1982.
> «نهاية رجل شجاع»، رواية، 1989.
> «البحر والسفينة وهي»، رواية، 2002.
> «الأرقش والغجرية»، رواية، 2006